د.أسامة الأشقر يكتب : كَظّام بسّام !
السودان
الخرطوم : الرآية نيوز
د.أسامة الأشقر يكتب :
كَظّام بسّام !
1. الغيظ قوة غاضبة فائرة تؤجّجها نار متوقّدة تسمع لها صوتاً زاحفاً مجروحاً، تظلّ تتحرك بحرارة في مجاري النفس حتى تملأ على المرء كيانه، وتسيطر على جوارحه، فتمنع النوم عن العين، والروح عن السكون، وتصعّد حواسّ الانتقام بلسانٍ حاقد، ويد باطشة، واجتياحٍ ثائرٍ.
2. وأصل معنى كظم الغيظ أن يُحبَس في مجاري النفس، ويُسدّ عليه طريق الخروج، كما تحبس المياه في القنوات المتحركة بين الآبار الفرعية حتى وصولها للحوض الجامع.
3. ولا يكون الكظم في اللغة إلا مع الامتلاء والقدرة على التملّك والسيطرة والإخفاء والإغلاق والكتم وتملّك الإرادة، وفي الحديث: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ).
4. ويتضمن معنى كظم الغيظ تجرّعه وتمريره وازدراده ليستقر في موضع يسكن فيه ويمسكه ويكتمه، فإذا أكمل ذلك سمّوا فعله كظماً، ومنه الحديث المرفوع: (مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى).
5. ويقولون: كَظم غيظَه وكظم على غيظه، وكلها تؤدي إلى الصبر والسكوت والإمساك عن الفعل المضاد من الأقوال والأفعال والإرادات.
6. وإذا أخذ الغمّ بكَظَم أحدهم أي مجرى نفسه فإنه مكظوم وكظيم قد اشتدّ عليه الكربُ بشعور الغيظ الهائج.
7. ومن أوصاف المتقين في القرآن أنهم كاظمون الغيظَ، وهذا يعني أنهم استطاعوا التحكّم في مجاري هذا الغيظ الفائر العنيد الذي يخرجهم عن سكون النفس وانضباطها وطمأنينتها.
8. وأكثر ما يكون الغيظ مقترناً بالحيرة والعجز عن فعل ردّ مناسب أو رادع أو محسوب فلهذا يكون كظمه فضيلة وراحة نفسية ومصلحة راجحة تعود بالنفع على الكاظم، بعكس العفو الذي يكون غالباً مرتبطاً بالقدرة على الرد الرادع ثم الإمساك عنه؛ والعفو في العموم مرتبة أعلى في كظم الغيظ تكون حين القدرة على إنفاذ هذا الغيظ اليحموم.
د.أسامة الأشقر