يوسف أحمد عبد الجبار يكتب : الــــطـــــــــــرف الثــالــث

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

يوسف أحمد عبد الجبار يكتب :

الــــطـــــــــــرف الثــالــث

اقتباسات من كتاب:( أسطورتان عن الحاكم والأعوان)

في مشهد من فيلم «نيكولاس وألكسندرا» يتوجه العمال التعساء إلى مقر قيصر روسيا، في مسيرة سلمية أقنعهم بها قسيس يكره العنف، وهم يحملون عريضة يشكون بها إلى الحاكم سوء أحوالهم، ويسير الموكب في هدوء، وعلى رأسه القس الذي يصيح طوال الوقت: «إنَّا أتيناكم مسالمين.» وفي الطرف الآخر يقف الجنود ببنادقهم، وعند نقطة معينة يطلقون النار فجأة على المسيرة السلمية، وبذلك وقعت «مذبحة قصر الشتاء» الشهيرة في عام ١٩٠٤م. وفي نهاية المشهد وقف القس المشدوه يراقب القتلى والدماء الغزيرة ويصيح: «نيكولاس، أيها السفاح الشرير!» وننتقل بعد ذلك مباشرة إلى مشهد آخر في القصر، حيث تجد القيصر واقفًا يسأل رئيس وزرائه بكل غضب: «لماذا لم تقولوا لي؟ من الذي أمر بإطلاق النار؟ لماذا قتلتم الناس؟ من المسئول عن هذه المذبحة؟» فيُجيب رئيس الوزراء بحكمة: «هل كنت ستستجيب لمطالب هؤلاء الناس لو وصلوا إليك؟» وعندما يأتيه الرد كما هو متوقع بالنفي، يقول: «وبعد ذلك تسأل من المسئول؟»

في هذه اللقطات تُعرَض علينا مشكلتنا الأساسيَّة، الشعب ينظر إلى البرهان على أنه طاغية،  أما هو فيرى نفسه بريئًا؛ لأنه لم يكن يعرف من يقتل الناس، ويلقي اللوم على الطرف الثالث وإن صوت الحكمة يقول إن الحاكم هو المسئول الحقيقي، بغض النظر عن التفاصيل، وعمَّن يقتل الناس، وتعلو بعض الأصوات قائلة: إن البرهان رجل رحيم، تجيش نفسه بالإنسانية والوطنية وحب العدل، ولا يفكر إلا في مصلحة شعبه، وهنا يكمن العيب كله في المحيطين به، ان هؤلاء في غالبيتهم مجموعة من الأشرار الذين لا يكتفون بارتكاب جرائمهم، بل يحاولون اخفاءها ، ويصوِّرون له الأحوال دائمًا بصورة وردية، من كلامه يبدو رجل  وطنيًّا صامدًا في وجه أعداء الوطن، يتبع سياسة تستهدف مصالح «الشعب»، ولكنه من جهة أخرى يسجن بلا حساب، ويعتقل بلا دليل، ويقمع كل معارض، ولا يسمح لصوت بأن يرتفع إلا صوته وصوت أذنابه وهذا يعكس قصور الوعي السياسي الذي هو حصيلة عقود غير قليلة من الحكم الفردي التسلطي، وهو يكشف بوضوح عن نسيان الإنسان العادي، في أحيان كثيرة، لأبسط مبادئ الديمقراطية، ومعنى مسئولية الحكم، وهو نسيان لا يمكن أن يُعد هذا الإنسان نفسه مسئولًا عنه، وإنما هو نتيجة تربية سياسية تراكمت أخطاؤها على مدى عشرات السنين ، ويبقى السؤال سيدي الحاكم من هو الطرف الثالث .

اترك رد