الفاتح داؤد يكتب : عودة صلاحيات جهاز المخابرات العامة السياق والتوقيت

السودان

القضارف : الرآية نيوز

الفاتح داؤد يكتب :
عودة صلاحيات جهاز المخابرات العامة
السياق والتوقيت

بعد غياب قسري عن المشهد الاستخباري”بأمر الثورة و الوثيقة الدستورية”عاد جهاز الامن والمخابرات الوطني مجددا الي واجهة الأحداث ،ولكن جاءت العودة في ظل ظروف استثنائية بالغة التعقيد،باتت تشكل تهديدا آستراتجيا مباشرا للأمن القومي السوداني، حيث يضج المشهد السوداني بفوضى “سياسية خلاقة” احالت البلاد الي مسرح مفتوح للصراع بين وكالات المخابرات الإقليمية والدولية. التي استغلت حالة الهشاشة الامنية والسيولة السياسية،لتحقيق حلم السيطرة والتحكم في ثروات وقدرات السودان الاقتصادية وموقعه الجيواستراتجي،
ولعل هذا الوضع يستلزم بالضرورة من قيادة الجهاز العمل في عدة جبهات تتصدرها بالطبع ،مهمة اعادة تشكيل الصورة الذهنية السالبة المرسومة عن الجهاز، التي ارتبطت في الوعي الجمعي للمواطنين بالقهر والكبت ووحشية بيوت الاشباح سيئة الذكر، وهي صورة قاتمة الظلال يتطلب ترميمها عملا دوؤبا ومتواصلا في مجال الإعلام الايجابي , والمبادرات الانسانية، والشراكات المجتمعية الفاعلة،التي من شأنها استعادة ثقة الشعب في مهنية جهاز الامن والمخابرات العامة، الذي أيا كانت سقطات وتجاوزات قياداته في المرحلة السابقة، إلا أنه يعد الأجدر دونه غيره في تحصين البلاد من الانزلاق نحو السيناريوهات المدمرة ،في عالم باتت فيه المعلومة تمثل سلاحا فتاكا، تستخدمه الدول في قهر خصومها،و حماية أمنها القومي معا ،فقد ادي غياب الجهازعن الساحة “بعد تقييد سلطاته و صلاحياته” الي استباحة البلاد طولا وعرضا بصورة ممنهجة، لا يستبعد خبراء أن يكون الهدف من حملات ا”لشيطنة” الإعلامية الموجهة نحو المنظومة الأمنية والإستخبارية،سوي مقدمة لتهيئة المسرح لما هو أكبر من مجرد صراع علي السلطة. وبالطبع فإن آستراتجيات أعداء السودان في اكمال حلقات التآمر ضد البلاد تتعدد أهدافها ومقاصدها وآلياتها ، التي لن يكتب لها النجاح في ظل وجود جهاز إستشعار وتنبؤ وإخبار قوي ومهني ، يمتلك كل مقومات المواجهة و الصمود من كوادر محترفة، ودوائر متخصصة ،وخبرات متراكمة، وعقل آستراتجي قادر علي التعامل مع جميع الملفات ،
لذالك من المهم جدا أن تعمل إدارة الجهاز بعد عودة (طائرالهدهد) الي التحليق،في اتجاه طمأنة الرأي العام ،والتاكيد علي ان الهدف من عودة”الصلاحيات” ليس بغرض البطش والتنكيل بالخصوم،بقدر ماهو استجابة ملحة التحديات الاستراتجية للبلاد ،وان عودة الجهاز لاداء دوره الطليعي في حماية الأمن القومي من الاختراق واجب تمليه المسئولية الوطنية ، خاصة وأن هذه العودة جاءت فى ظل اجواء ملبدة بالغيوم والضباب السياسي و المهددات الأمنية من ارهاب وجريمة منظمة،ونشاط هدام وصفقات سلاح، وعبث لاتخطئه العين بالنسيج الاجتماعي . جعل قيادة الدولة تدرك بحسها الاستراتجي ان عودة الجهاز باتت ضرورة ملحة في ظل غياب مراكز رصد ومعلومات قادرة على المشاركة في احتواء المهددات.
وبالطبع يدرك المتربصون بالسودان، ان عودة الجهاز لممارسة دوره الطبيعي والمتعارف عليه بين كآفة الأجهزة الإقليمية والدولية تحول دون انقضاضهم علي الفريسة .
ولئن كانت ثمة رسالة في بريد قيادةالجهاز التي تجاوزت الموجة الأُولى بسلام، وبعد أن إستطاعت الإنحناء للعاصفة وإحتسبت في سبيل ذلك جملة من الخسائر “المادية والمعنوية” فان الجهاز لن يقوى علي الصمود طويلاً مالم يعيد النظر في آستراتجياته القائمة، ويتحول الي شريك اصيل في ادارة معركة الانتقال مع الشركاء المدنيين الذي يقتضي منه وضع كافة تجاربه وخبراته تحت تصرف الحكومة. خصوصاً انه قد خسِر في المعركة الأُولى أهم خطوط دفاعه الأمامية والخلفية ممثلة فى إدارتي (الإعلام والقانونية) ،واصبح عاجزا عن”المواجهة” بعد أن فقد الإعلام المهني الإيجابي، وبات عاجزا عن الصمود أمام الحملات الإعلامية الممنهجة والمضادة، وكما ادي غياب الإدارة القانونية الي عجزه عن ملاحقة السيل الجارف من الإتهامات والشائعات، والتي في أغلبها مفتعلة بغرض خلخلة وزعزعة اهم دفاعات الجهاز حتى يسهُل الإجهاز عليه لاحقاً.
رغم الجدل الكثيف حول قرار عودة صلاحيات الجهاز،وفق مرسوم الطوارئ الذي اقتضته تطورات الأحداث المتسارعة ، فان القرار قد شابته كثير من الثغرات والمهددات ، هذا خلاف التعارض والتقاطعات القانونية و الدستورية، حول مدي مشروعية قرار سحب الصلاحيات وتحديد المهام، و قرار اعادة الصلاحيات وتوسيع دائرة المهام والتكاليف.
قد يبدو الأمر من الوهلة الأولى إختلاف مفاهيمي ومبدئي حول مسيرة الجهاز ومدي تأثيره في رسم ملامح الثلاث عقود ، ومع ذلك لأ يكمن أستبعاد وجود سيناريو “سياسي إستخباري مضاد” في إطار حملة إستهداف الأمن القومي السوداني .
وهو ما يتطلب من الجميع رفع درجة الحس الوطني قبل الأمني، وتحكيم صوت العقل والمنطق في هذا الظرف الاستثنائي الذي يمُر به السُودان، والذي يستوجب من القائمين على مؤسسة الجهاز (الإنتباهة) واخذ (الحيطة والحذر )، بالتخطيط المهني المدروس لإدارة هذه الازمة،واستخلاص الدروس المستفادة منها ، بما في ذلك أخطاء وسلبيات الماضي وبناء الرؤية المستقبلية..

اترك رد