د.أمين حسن عمر يكتب : الكيزان من نحن (13)

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

د.أمين حسن عمر يكتب :

الكيزان من نحن (13)

الاسلاميون والتصوف :

والإسلاميون جزء لا يتجزأ من كيان الشعب السوداني لم ينفصل قط عن عقائده وأفكاره وعوائده وأعرافه وهم جاءوا من تلقاء مجتمع كان غالبه متصوفا متنسكا يعظم رجالات الدين وشيوخه ويشيد القرى على مسايدهم أو خلاويهم تقربا وتبركا وقد إجتمع الإسلاميون في المدارس الثانوية ثم في الجامعات على معني حفظ الدين والتمسك به في أنفسهم والدعوة إليه في صلاتهم مع من سواهم .

وقد تأثروا في مناهجهم التربوية بالتصوف الأهلي وإتصالاً مع سؤال التربية قد يرد السؤال عن مدى علاقة الحركة الإسلامية بالتصوف. فالحركة الصوفية هي الطابع العام للتدين في السودان بل في سائر أفريقيا. ولذلك فان تحديد موقف الحركة الإسلامية من التصوف والطرق الصوفية يصبح أمراً مفهوما و مهماً للغاية. ذلك أن معرفة البيئة الثقافية والقدرة على التكيّف معها يبقى أمراً ذا أهمية بالغة لتيسير وتعجيل وصول الحركة الإسلامية لتحقيق هدفها في بعث معاني الدين ومقاصده في الحياة من جديد .

ولتمليك رسالة تمكينه في الوجدان والأوطان للناس وللمجتمع بأسره. ورؤية الحركة الإسلامية للتصوف هي ذات رؤيتها لسائر المذاهب العقدية والفقهية السائدة في المجتمعات الإسلامية. فهي تراها طرقاً تفضى إلى ذات الطريق اللاحب الواسع المؤدي إلى إعلاء كلمة الله وإشاعة هديه في العالمين. وموقف الحركة الإسلامية منذ أيام الامام البنا أنها ترى نفسها جماعة صوفية لا باتباعها النهج التربوي الوجداني فحسب بل أن الأمام حسن البنا قد أخذ عن الطريقة الشاذلية الحصافية التي كان ينتمي إليها قبل تأسيس الحركة طريقتها في بناء المجموعة المتآخية والتي أسماها البنا بالأسرة .

و قد جعل حسن البنا أهم وظائف الأسرة هو التعارف والتواصل في الله . ثم أن الأمام البنا أخذ الوظائف والأوراد وأعتمد الوظيفة الصغرى والكبرى . وأهتم بالاذكار الراتبة المأثورة . كما أهتم بالسيرة النبوية اهتماماً يشبه اهتمام السادة الصوفية بها في موالدهم وحضراتهم وأهتم بكتب المعاني والوصايا والرقائق .وكذلك إحياء المناسبات الدينية مثل المولد النبوي والأسراء والمعراج رغبة منه فى تجديد ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعطير الأمكنة والأزمنة بذكره الشريف.

وأما فى السودان قل أن تجد زعيماً من زعماء الحركة الإسلامية أو عضواً من اعضائها لا ينتمي إلى أسرة متصوفة ، ولذلك فان الحركة الإسلامية قد تشربت ثقافة التصوف وانسربت معانيه وتقاليده في وجدان أفرادها. وأدى ذلك إلى تجسير الفجوة بينهما و الطرق الصوفية التي هي شعبية الطابع بينما الحركة الإسلامية نخبوية التكوين . ولم يكن ذلك القرب ثقافياً فحسب بل أدى إلى أقتراب العديد من الطرق الصوفية سياسياً من الحركة الإسلامية .

فقد شاركت طرق رئيسة مثل التجانية والسمانية وبعض جماعات القادرية في تأسيس جبهة الدستور الإسلامي بعد الاستقلال ثم بعد تأسيس جبهة الميثاق الإسلامي بعد ثورة أكتوبر 1964م . بيد أن تقارب الحركة الإسلامية والطرق الصوفية لم يعن أنه لم تكن للحركة الاسلامية ملاحظات على بعض صور التصور والممارسات السائدة في بعض الطرق الصوفية. فالحركة الإسلامية حركة مراجعة فكرية ومحاسبة ذاتية وهي لا تزكي فرداً ولا فكراً ولا ممارسة داخلها .

وكما ان الحركة الإسلامية محاسبةو ناقدة لنفسها فهي ناقدة لغيرها. ولكنها تعرف لأهل الفضل فضلهم وتعرف للطرق الصوفية في السودان جهادها ومجاهداتها . فتذكر جهاد العبيد ود بدر والشيخ المجذوب وشيخ مدثر الحجاز الأكبر . وتعرف لرجال أمثال الشيخ أحمد الطيب والشيخ قريب الله والسادة الأدارسة والسيد الحسن وأمثالهم قيادتهم لمجتمعاتهم للبر والتقوى وتدرك الأثر التربوى والثقافي الذي خلفه الشيخ البرعى ومن قبله رجال مثل حياتي وود سعد وحاج الماحى وأمثالهم.

ولاشك أنه سوف يتعسر على أي مؤرخ أن يتحدث عن تاريخ التدين في السودان دون ان يعرف لرجال الجهاد والدعوة والتربية من الطرق الصوفية مكانهم وفضلهم الكبير. بيد أنه وعلى الرغم من ذلك فإن الحركة الإسلامية كانت دائماً حركة مراجعة وتجديد للفكر الدينى الصوفى منه والسلفى فهى لم تر نفسها بعيدة من هؤلاء ولا من أولئك . ولكنها أدركت أن أفضل ما يليق بها أن تكون جسراً بين مدرستين عتيقتين في الفكر والسلوك الدينى هما المدرسة الصوفية والمدرسة السلفية.

والمقاربة بين النهجين السلفى والصوفى ليس أمراً محدثاً فقد تجشمها الأمام الحارث المحاسبى والأمام الأصفهانى والأمام الغزالى . وحاولها الأئمة أبن قدامة وأبن تيمية وأبن قيم الجوزية. وقد كان بعض أولئك الرجال سلفياً صوفياً في آن واحد . فالصوفي السلفي هو الأمام أبن تيمية وكذلك تلميذه أبن القيم صاحب مدارج السالكين .

والسلفى الصوفى هو الأمام الحارث المحاسبى وكذلك الأمام الغزالى. بيد أن الشُقة قد تبتعد بين مبتدعة الصوفية ومتشددة السلفية والتشدد نفسه ضربٌ من ضروب الإبتداع. فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالرفق ونهى عن التشدد . ولذلك فإنما يبتعد الشقة بين المبتدعة من الفريقين . وأما أهل التمسك بالمنهج النبوى المحمدى فانما يسلكون مذاهب تقودهم جميعاً إلى سبيل السنة وإلى صراط الله المستقيم.

د.أمين حسن عمر
الحركة الاسلامية السودانية..سؤالات وإجابات

د.أمين حسن عمر يكتب : الكيزان من نحن (12)

اترك رد