الخرطوم : الرآية نيوز
حليم عباس يكتب :
متى و كيف سقطت قوى الثورة؟
الوعي الزائف لأدعياء الثورة و النضال كالعادة، تعامل بحالة من الإنكار و الاستنكار مع براءة الكيزان الذين كانوا محبوسين لأكثر من سنة بتهم ملفقة و كان واضحاً أنها كذلك منذ البداية. لو كانت التهمة هي الانتماء لحزب المؤتمر الوطني أو التيار الإسلامي ربما كان هُناك منطق في استنكار خروج هؤلاء الرجال من السجن و عدم مكوثهم فيه إلى الأبد كما تريد أدعياء الثورة، و لكن التهمة الموجهة إليهم كانت تتعلق بجرائم محددة من ضمنها التخطيط تفجيرات و اغتيالات، و هي تُهم ملفقة كانت قد روجت لها آلة التضليل الإعلامي التابعة لسلطة الثورة بزعامة اللجنة سيئة الذكر، و قد أثبت القضاء براءة المتهمين. فلماذا يستنكرون عليهم البراءة على الرغم من حبسهم لأكثر من عامين في قضية ملفقة من البداية؟
قوى الثورة كانت بيدها السلطة لمدة أكثر من عامين، مارست خلالها كافة أشكال الانتهاكات من سجن و فصل و مصادرة و تشهير، و كانت بيد اللجنة سيئة الذكر صلاحيات شبه مطلقة، و لكنهم فشلوا في تقديم خصومهم إلى القضاء و محاسبتهم بالقانون. و لم يمنعهم أحد من ذلك، فقد اعتقلوا الناس و تركوهم يمرضون و يموتون في السجن و لم يقدموهم إلى محاكمات. أي فشل أكثر من هذا؟ فشل سياسي و فشل أخلاقي.
لقد سقطت قوى الثورة كلها و انتهت منذ أن كانت في السلطة و هي في قمة عنفوانها؛ كان ذلك قبل 25 اكتوبر بوقت طويل، و ذلك حينما تنكرت لمبادئ و شعارات الثورة. قلنا لهم حينها بأن هذه هي الهزيمة الحقيقية و لكن مع سكرة السلطة لم تعد قوى الثورة بحاجة إلى الشعارات الأخلاقية، و كانت تردد شعارات “البل” و “الدوس” و “سيصرخون” ، ظنوا أنهم قد امتلكوا السودان إلى الأبد، و أنهم ليسوا بحاجة بعد الآن إلى مبادئ العدالة و الحرية و الديمقراطية. فالعدالة هي لجنة التمكين و الشرعية الثورية و البل و الانتقام و الحرية تعني “نحن فقط من نتظاهر” مثلما قال ود الفكي- فك الله أسره- و ردد كثير من القحاتة أن “لا حرية لأعداء الحرية”، و يقصدون بذلك أن لا حرية لأعداءنا، و راحوا يغيرون القوانين و المناهج و يناقشون علمانية الدولة و كأن الشعب السوداني قد مات و ترك لهم كل شيء.
و لكن كل ذلك كان عبارة عن خطأ في الحسابات؛ لقد أخطأت هذه القوى حينما ظنت أن بامكانها الاستغناء عن الشعارات و عن العهود مع الشعب و مع الجماهير بتشكيل حكومة تعبر عن كل مكونات الشعب ترسي قيم الحرية و السلام و العدالة، حكومة كفاءات و ليس حكومة قحت – حكومة المحاصصات، حكومة لا تبت في المسائل الخلافية مثل علاقة الدين بالدولة و التطبيع مع دولة اسرائيل و فرض توجه أيديولوجي معين على الشعب. هذه كلها كانت تعهدات ضمنية و صريحة تعاهد عليها الناس أيام الثورة، و لكن قحت و ناشطيها ضربوا بها عرض الحائط و كأنها لم تكن. كان ذلك اغتراراً بالسلطة و بالشراكة مع بندقية العسكر. و في النهاية انفضت هذه الشراكة و عادت هذه القوى البائسة لتكتشف الحقيقة المؤلمة؛ لقد فقدت رصيدها الأخلاقي الذي كان عامل تفوقها الوحيد على خصومها الذين كانت تزايد عليهم. و انتهى كل شيء.
هذه الحقيقة؛ قوى ثورة ديسمبر لم تكن تحمل مدافع و رشاشات و لم تكن تملك دبابات، كانت تحمل مبادئ و قيم و كان هذا هو سر قوتها، و حينما خانت هذه القيم فقدت كل شيء! و هي الآن تقف مفلسة و عارية تماماً. و نحن لن نرحمها و سنجعلها تدفع ثمن هذه الخيانة.
حليم عباس