دكتور ياسر أبّشر يكتب : البرهان بين إدريس الساير و 6 أبريل

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

دكتور ياسر أبّشر يكتب :
البرهان بين إدريس الساير و 6 أبريل

رحم الله الخليفة عبد الله ود تورشين فقد كان يتمتع بذكاءَ فطري، لكنه رحمه الله كان منقطعاً عن مجريات الأوضاع في العالم حوله. فما كان يعرف هل فرنسا “قبيلة ولا واحدة من العوين”!! وهذا كما يُروى استفساره لسلاتين باشا (وكان محقاً حين سماه شويطين) ،حين غزت فرنسا فشودة!!

وكان الخليفة يدير أمر السياسة الخارجية وفقاً لمناماته، كأن يرفض الصلح مع منليك ملك الحبشة لأن المهدي ومعه سيدنا عمر وسيدنا أبو بكر جاءوه في المنام ونقلوا له اعتراضهم على الصلح مع منليك. وكان “مدير” سجن الخليفة، ويسمى إدريس الساير، يمارس ضرباً من البروبوقاندا لتخويف المساجين وتسري الدعاية حتى خارج السجن، فكان يقول لهم إن الخليفة يراهم ويعلم سرهم ونجواهم لأن نبي الله الخضر هو عيونه وآذانه.

وكان الخليفة فظّاً غليظاً قاسياً، واستهدف كل من كان يمكن أن يشكل خطراً على ملكه، ولذلك استهدف من كان يوعِّي الناس بخطل أقواله كالعلماء فقتل العالم الأزهري القاضي الحسين الزهراء، والشيخ حمد النيل (صاحب المقابر)، والقاضي أحمد علي. وقتل كبار قواد جيشه كالزاكي طمل وحمدان أبو عنجة. وقتل أو سجن زعماء القبائل، مثل ود مادبو وزعيم الكبابيش والشكرية والفور والميدوب والمساليت والشكرية والجعليين وغيرهم.

والناظر بعقل لما فعلته قحت وأحزاب ما يُسمى أربعة طويلة سيخلص واثقاً أننا عدنا القهقرى قرابة مائة وخمسين عاماً. عدنا إلى عهد الخليفة ود تورشين. فقد مارست قحت وأربعة طويلة نفس الدعاية التي كان يمارسها إدريس الساير. دعاية جمعت الكذب والغباء وازدراء عقول الناس. فلنتذكر المليارات التي قالوا إنهم وجدوها تحت جامع الصايم ديمة، ومبلغ 64 مليار دولار حولها الكيزان لماليزيا وقال بها “كضاب الميّة” عصمت، والمليارات التي وجدت بحوزة كل قادة النظام السابق. نشطاء بعضهم درس ولم يتعلم. لكنهم تفوقوا في التدليس والافتراء بلا أدنى حياء.

وكما فعل الخليفة بالكبار كذلك استهدفت حكومة اليساريين بروفسر غندور ودكتور الجزولي ودكتور عبد الرحمن ابراهيم وبروفسور عز الدين محمد عثمان ودكتور عبد الحي يوسف وبروفسور عصام البشير ودكتور محمد عبد الله الريح ، ومئات الكفاءات والعلماء ومديري الجامعات .

واستهدفت زعماء القبائل كتِرِك والشيخ العالم الأزهري الطيب الجد ود بدر واستهدفت العالم الأزهري الشيخ عبد الوهاب خليفة الكباشي واستهدفت الشيخ الصايم ديمة. كالخليفة تماماً لم يطيقوا أن يوجد شخص محترم يُوقّره الناس إلا استهدفوه.وحتى السلطان العظيم علي دينار لم يسلم من بطشه وجبروته .

قام ود تورشين بمصادرة أملاك كثيرين وأشهرهم الرجل الثري إلياس باشا أم برير، صادرها هكذا بوضع اليد، وكان شقيقه يعقوب جراب الرأي يتصرف في المصادرات كما يشاء. وكذلك فعل القحاتة عبر لجنة التمكين وكذلك فعل مَنّاع ووجدي صالح وأعضاء اللجنة مثلما تصرف جراب الرأي في أملاك الآخرين.

ومثل ود تورشين افتقر القحاتة لأي رؤية اقتصادية، فما الجوع الذي نعاني منه الآن إلّا تكرار لسياسة ود تورشين التي أورثت أهلنا مجاعة سنة ستة. إذ من ناحية عمد هؤلاء لتجييش الشباب في لجان المقاومة للمظاهرات لمقاتلة طواحين الهواء كالكيزان والدولة العميقة ، بدل أن يجيشوهم لمشروعات الانتاج، ربما اقتداء بتجييش كل الشعب للالتحاق “بالجهادية ” لمحاربة مصر في جيش النجومي.

كان ” الجهادية ” – وهم قوة الخليفة الباطشة – يقتحمون البيوت أنى شاءوا ويفعلون فيها ما يحلو لهم، وكذلك كانت لجان المقاومة ولجنة التمكين – وهم قوة قحت الباطشة – تقتحم بيوت الناس وشركاتهم أنى شاءت وتفعل فيها ما يحلو لها.

دعاية إدريس الساير الكاذبة وسياسة استهداف الكبار وسجنهم وقتلهم واقصائهم لدى الخليفة ، وانعدام الرؤية الاقتصادية لديه والافتقار للتجربة، كل ذلك شهدناه مكرراً في القرن الحادي والعشرين على أيدي ناشطي قحت وأربعة طويلة. على أن الإنصاف يقول إن الخليفة لم يكن عميلاً ولا باع ضميره يوماً.

ولما أيقن البرهان أن قحت ومن شايعها أوردوا البلاد موارد التهلكة اتخذ قرارات 25 أكتوبر، فاستبشرت الجماهير، غير أنه ظل منتظراً سراباً خُلّباً بقِيعَةٍ يُسمى التوافق الوطني. ثم لعله تأثر بالحملة الضارية لما سُمي بالزلزال في 6 أبريل، فإذا بها شبح طائر الشاروبيم المجنح الخيالي، وشهد بفشلها منظموها وداعموهم حتى أحبطوا وانهاروا نفسياً، فماذا ينتظر البرهان؟؟ كانت كل حملات قحت الإعلامية هي نفس دعاية إدريس الساير سذاجةً وتدليساً وكذباً وعدم احترام للعقول، وما ينبغي أن تخيف هذه أحداً. لقد أعادونا لعهد الخليفة عبد الله وإدريس الساير بالفعل، ونحن في القرن الحادي والعشرين . متخلفون يدّعون زوراً معرفةً ، فماذا نرجو منهم؟؟؟

وخشيتي الكبرى أن يتعلق البرهان بالخيال المسمى الاتحادي الديمقراطي الموجود في بيت مولانا الميرغني، أو وحدة حزب الأمة.

كل تلك بيوتٌ سادت ثم بادت. فقط بنات الصادق من لا يعرفن هذه الحقيقة. وقد قرأت بحزن ما كتبته زينب الصادق بحقد حول براءة غندور وتشكيكها في النظام العدلي حتى بعد اعترافات الحواتي ، وكل هذا من باب أنها ” بتخرب في الموت بالرّفَسِي ” . فالسودان – يا بنت الأكرمين الذين تنكبتِ طريقهم – لم يعد في العقد السادس من القرن العشرين. تلك بيوت يروِّج لها ود زايد والمصريون لأجندتهم وأهدافهم . وخير للبرهان أن يقيم علاقاته بمصر مباشرة دون وساطة حانوتي أو وساطة الجثامين . وأنت يا سيدي لا تملك قُدرة إحياء الموتى. ولعل من نعم الله السياسية على السودان أن تلك البيوت ماتت سياسياً . والموت يمكن أن يكون نعمة ، أو كما قال سقراط :
“Death may be the greatest of all human blessings”
السودان يا سيدي يحتاج عاجلاً لحكومة كفاءات مستقلة لتعيد الأمن والأمان وتهيئه لانتخابات، وكان الله يحب المحسنين.

دكتور ياسر أبّشر
———————————
9 أبريل 2022

اترك رد