الخرطوم : الرآية نيوز
د.محمد المجذوب يكتب :
التيار الإسلامي العريض
من وحدة الاشواق الى فكرة المشروع
تموج السوح العامة والخاصة دعوة لتوحيد التيار الإسلامي السوداني العريض، وهي دعوة مطلوبة كواجب ديني وعنصر أخلاقي وضمانة سياسية واجتماعية لاستقرار وازدهار مستقبل البلاد وسلامتها، وفي ذلك دواعي مجتمعة لوحدة التيار الإسلامي الوطني العريض أهمها: داع تجديد المجتمع السوداني لنفسه وحياته، لغاية تجديد أوضاعه الحرجة متمثلة في حالة الانقسام القومي والاثني والقبلي والعرقي والثقافي وانتشار وباء العنصرية واعراضها، والفكاك من آثار التقاليد والعادات ومشروعات العولمة الليبرالية الغازية المعوقة لفعل التجديد والنهضة الداخلية.
وهنالك داعي ضرورة “مراجعة” و”استئناف” مشروع دعوة الإسلام، بعد انتهاء فترة الإنقاذ، وانتظام التيار العريض كفاعلية تجديدية قصوى يواجه التحولات السياسية المتسارعة المتداخلة مع تدافع العوامل الداخلية والخارجية المعولمة الأخرى.
وهنالك داعي المخاطر المحدقة بالبلاد وعلى راسها حالة الاستقطاب الحاد على المستوى السياسي والاثني والأيديولوجي. فضلا عن اغتنام دروس الاعتبار بأهم حدثين في العقود الأخيرة وهما حدث مفاصلة الإسلاميين الشهيرة والتغيير والثورة السياسية الأخيرة، كأحداث كبرى أقعدت بالتيار الإسلامي عموما في ظل ضعف التيارات الأخرى وعمالة اكثرها للخارج.
هذه الدواعي ونحوها تقتضي التيار الإسلامي السوداني للتجاوز السريع للخطاب التعبوي والتحشيدي الشعبوي ، الى بيان مشروع شامل يخاطب أولوية الانتقال الراشد بالتيار الإسلامي السوداني وبالحياة السياسية في السودان من حالة الفتنة الى حالة الاستقرار ومن خانة الخصومة والكراهية السياسية الى خانة القبول بالتنافس الانتخابي كأداة لإدارة الاختلاف في مجتمع منقسم على نفسه سياسياً.
ان قدر الإسلاميين والوطنيين الكبير وصفهم الممتد في السودان اليوم ليس هو حشد اشواق عاطفة الوحدة واللقاء وبناء الثقة فحسب فهو امر ميسور موفور، ولكن الأهم هو قدرتهم على تجديد فكر حركتهم ومشروعهم الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وتجديد منظومات عملهم اليومية وقيادتهم المنتخبة والانتقال بالعمل الإسلامي، من الجدليات التاريخية كجدلية (الحركة/ الدعوة) ما قبل الإنقاذ، وجدلية (الحركة/ الدولة) في فترة الانقاذ، الى جدلية ومرحلة ثالثة بانت ارهاصاتها، هي جدلية (الحركة/ النهضة) بيان معالمها، والانتقال بالفكر التنظيمي والحزبي من التنظيمات المركزية الهرمية المغلقة الى فضاء التيارات النهضوية المنفتحة على الوظائف الحياتية للإنسان، لا مركزية التخطيط والادارة معاً، مع بيان متجدد لمشروعهم العملية إزاء الدولة والمجتمع معا وإزاء جماهير الشعب السوداني والاقليم والعالم.
لأنه متى كان ذلك التجديد ناجزاً والإيمان به فاعلاً، فإن مشروعات التيار الإسلامي العريض ستجد فضاءً كبيراً للتواصل مع مجتمعها المحيط وتواصلية أوسع لتبليغ رسالته له وأدائه فيه، كونه الحال الذي يعطي التيار الإسلامي العريض إمكانية افضل لتوضيح مشرعه للدين والوطن على أكثر من صعيد، ثقافي ومعرفي واجتماعي واقتصادي، فضلاً عن الصعيد السياسي، بالتوازي مع ممارسة التدافع مع الخصوم الذين يخالفونه الرؤية من خلال اوعية منظوماته الوظيفية اللامركزية المتعددة في الداخل والخارج المؤسسي، وهو أمر لا تخفى أهميته في عصر التداخل العالمي الراهن، وتأثير وسائل الإعلام والاتصال العابرة للقارات وتأثيرها الكبير على قضايا المجتمع والدولة.
ان بيان مشرع التيار العريض لا بد له من أن يعبر عن معني نهضوي عام ومركب وفعل مستمر ومتنوع، لا عواطف الوحدة الجياشة فحسب، لأنه في مجموعه متصل بتجديد فطرة الإنسان وعلاقات المجتمع وتسخير الموارد والإمكانات المتاحة في البلاد، وهو مرتبط بعناصر كثيرة، أهمها العناصر الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والشبابية ونحوها.
ففي مستوي الحياة الفكرية والفنية والثقافية، فالواجب الانتقال الراشد بالعقل السوداني الى اصلاح نمط تفكيره، المعني بظهور الأفكار أو إعادة تشكيلها، وطرائق التفكير والنظر العقلي، وكذا ماهية الرؤى والإيديولوجيات السائدة في السودان، كما هو في معناه العام يشمل المشروعات النهضوية في سائر مجالات العلاقات الإنسانية وامتداداتها وفروعها، كالامتدادات الثقافية بكل ما تشمله من معاني وأفكار وقيم وأدوات ومواضيع، وبتجلياته في تأكيده أو رفضه للقيم والقواعد الأخلاقية المعمول بها في المجتمع.
الا أن التجديدات الفكرية والثقافية وإن كانت ذات أهمية خاصة، حيث تلعب دوراً مهماً في تكوين الاستجابة للمؤثرات المختلفة، فيمكن لها أن تهيئ الظروف المناسبة لتنفتح القدرات السودانية، كما يمكن أن تقوم بالدور المعاكس، إلا أن هناك أهمية للعوامل أخرى مثل العوامل المتعلقة بالتجديد الاجتماعي، فضلاً عن مشروعات التجديد السياسي وتجديد نظم الملكية والاقتصاد، وتجديد أوضاع المرأة وفي القيادة والقدوة.
اما مشروع النهوض الاجتماعي للتيار العريض، فهو مشروع تجديد الهوية والقيم والفعل والسلوك والبنى والأطر الاجتماعية في السودان، ونبذ العنصرية ونبذ الحديث عن أحوال الأشخاص الخاصة الى الدعوة الى صلاح الأفكار والغايات العامة، وما ينتج عن ذلك من هويات وعقود وتفاعلات وعلاقات ووحدات اجتماعية وتنظيمات اجتماعية محلية قادرة على اجتراح السياسات وتبني المبادرات اليومية العملية تكافلاً اجتماعياً وتدبراً قرآنياً وتوظيفاً وتنشئةً فاضلة لطاقات النساء والشباب والطلاب في كل نشاطات محليات السودان، دعوة للفضيلة وتعاونا على البر التقوى.
أما مشروع التجديد السياسي، فيتجلى في تبني اعلان المراجعات (السياسية) الداخلية اعتبارا للأجيال اللاحقة، وتجديدا لتشكلات الحياة السياسية في المجتمع كعلاقات النظام السياسي ووظائفه، والدعوة الى الانتقال من النظام الاتحادي الرئاسي الى الاتحادي النيابي لما فيه من معاني الوحدة السياسية والشورى والمشاركة وحاكمية المجتمع على النظام السياسي، والارتضاء بالانتخابات أداة راشدة للانتقال السلمي للسلطة وتداولها بين الغرماء السياسيين، والذهاب بعيدا بتوسيع صلاحيات الحكم المحلي كما وكيفا ضمانا لنهضة المجتمعات المحلية الى هي رهان النهضة السودانية الحقيقية، وفضلا عن كل هذا وذاك الإصرار على ان تكتب وثيقة البلاد الدستورية وعهدها العام جمعية تأسيسه منتخبة تضع البلاد امام اولي خطوات النهضة السياسية.
اما على مستوى مشروع التجديد الاقتصادي، فان التيار الإسلامي العريض مدعوا الى بيان نموذجه في الاعمار والنهوض الاقتصادي، واعلان قيمه في الربحية والعدل الاجتماعي والكفاءة الإنتاجية والتراحم الاجتماعي، فلا يكون المال العالم دولة بين الأغنياء من أبناء المجتمع، والعناية أكثر بالاقتصاد الاجتماعي اقتصاد الفقراء والمساكين والعاطلين من الشباب المتعلم صاحب التطلعات الكبيرة والحيل القليلة، وتبني نماذج شركات التكافل الاجتماعي وشركات المساهمة العامة على مستوي المحليات والولايات والبلاد ككل في كل أوجه النشاط الاقتصادي تحريرا لإرادة البلاد الاقتصادية وطمئنة لأمنها القومي من الاختراق باسم المساعدات والهبات وإعادة جدولة الديون والودائع الدلارية المسمومة.
ان التيار العريض مدعوا لتجديد خطابه إزاء الشباب وأحوالهم التى تلفها هيمنة العولمة الليبرالية وقيمها الفردانية المتحررة من كل قيمة وفضيلة، الى البحث عن المعني في الحياة الانسانية عند معايشة معاني الاخلاق والتقوي والإيمان بالله، عندها توجد معاني الحرية الحقة وسكون النفس، اما أحوال النساء فهي أشد حوجة لمشروع وسياسات ومبادرات عملية تقف أمام تصنيع وتروج نموذج المرأة الحداثي المتحرر عن الفضيلة والأخلاق، والرهان على نموذج الأسرة والتقوى والفضيلة وتبني مبادرات الزواج ومنظمات رائدات النهضة وشباب النهضة.
إن التيار الإسلامي السوداني العريض ومن خلال عمليات رصد للتحولات التي تطرأ على مجالات الحياة السودانية، وحجمها ونتائجها عبر الزمان، فإنه تتجلي لنا وبوضوح أهمية تعيين المجالات النهضوية وفرزها تسهيلاً لعملية نهضتهاالمتعمقة، مما يرفد التحولات في الظاهرة الاجتماعية بأطروحات نهضوية في تجلياتها المختلفة.
أيها الإسلاميون ان كنتم ترون أنفسكم طليعة في هذه البلاد فكونوا روادا وقدوة حسنة واصحاب مشروع ولا تكونوا مجرد ردة فعل يوردكم أنتم والبلاد المهالك.
د.محمد المجذوب