الخرطوم : الراية نيوز
حليم عباس يكتب :
الإسلاميون الديمقراطيون ووحدة التيار الإسلامي
الاصطفاف السياسي الطبيعي و الصحيح هو الاصطفاف على أساس القضايا و ليس الهويات السياسية الفارغة من أي مضمون. وعي ثورة ديسمبر كرس لشكل سيء من الاصطفاف: “قوى الثورة” مقابل الآخرين؛ لا يهم إن كانت قوى الثورة في نفسها مؤمنة بالديمقراطية أو بالعدالة، المهم أنها تصرخ بصوت مرتفع باسم الثورة و تعادي كل لا يصرخ مثلها. من هُنا بدأ الاصطفاف الخاطئ.
ضمن هذا السياق جاءت فكرة التيار الإسلامي العريض، سياق الاصطفاف على أساس الهوية السياسية؛ و هكذا تجاوز الإسلاميون خلافاتهم السياسية حول الديمقراطية، من أجل قضية أهم هي قضية وجود التيار الإسلامي و حقه في الممارسة في السياسية. السبب الأساسي في ذلك هو أجواء الاستقطاب التي خلقتها ثورة ديسمبر بدون أي داعي لذلك.
لكن، و على أية حال، فإن وحدة التيار الإسلامي هي شرط ضروري لمعركة أخرى داخل التيار الإسلامي نفسه، و هذه المعركة في الأساس لكي يكون لها معنى، يجب أن تكون داخل التيار الإسلامي و في إطار عملية الوحدة و إعادة التشكُّل؛ هذه المعركة هي معركة الديمقراطية. إذا استطاع التيار الديمقراطي داخل الإسلاميين فرض نفسه بشكل هيكلي داخل التيار الإسلامي، بمعنى إذا استطاع التيار الديمقراطي تنظيم التيار الإسلامي في هياكل ديمقراطية مستدامة، تحمل و تعبر عن قيم الحرية و الديمقراطية داخل التيار الإسلامي و خارج التيار في المجال السياسي العام، يكون قد كسب هذه المعركة لصالح نفسه و لصالح التيار الإسلامي الوطني و لصالح الوطن.
و هذا هو المعيار الأساسي الذي يُنبغي أن يُنظر من خلاله إلى قضية وحدة الإسلاميين.
الموقف الرافض لشعار و مبدأ الوحدة من البداية في تقديري موقف مستعجل و غير سليم. تيار إسلامي موحد يخوض معركة داخلية من أجل ترسيخ الديمقراطية و ينتصر فيها، خير من تنظيمات إسلامية متفرقة متصارعة يكسر كل منهما الآخر. و في الواقع، فإن الظروف العامة مواتية لانتصار الاتجاه الديمقراطي داخل الاسلاميين على الاتجاه السلطوي الاستبدادي متى ما توحدوا، لأن هذه الوحدة تحدث بشكل طوعي، بعيداً عن أطر الدولة حيث لا يملك أي حزب أو أي مجموعة نفوذاً تهيمن من خلاله على الآخرين.
الديمقراطية تضمن المراجعات الفكرية و السياسية، تضمن التقييم و التقويم، و تضمن المحاسبة و العزل و العقاب لكل من أخطأ سياسيا أو جنائياً. و في النهاية من الذي يرفض مبادئ و قيم الديمقراطية أو الشورى داخل التيار الإسلامي؟ من الذي يستطيع الوقوف بوجه هذه القيم؟ هل هو النتظيم الأمني للإسلاميين ؟ أين هو هذا التنظيم و ما هي أدواته و وسائله؟ لقد ولى الزمن الذي تسيطر فيه الأجهزة الخاصة على العملية الديمقراطية داخل التنظيم مع سقوط سلطة المؤتمر الوطني، و سقوط حزب المؤتمر الوطني و قياداته، و ذلك الزمن لن يعود.
يجب على الإسلاميين التخلص من أيديولوجيا معارضة نظام الإنقاذ في أواخر أيامه، و يجب عليهم عدم الرضوخ لابتزاز ما يُسمى بقوى الثورة. ففي النهاية لن يشفع للاسلاميين سوى قوتهم المادية الضاربة، و هذه القوى تكمن في وحدة التيار الإسلامي. العالم و الأحزاب و القوى السياسية و حتى الأفراد لن ينظروا إلى مدى إيمانك بالديمقراطية و الحرية و يتعاملوا معك على هذا الأساس، و لكنهم يتعاملون معك على أساس قوتك، إن كنت ضعيفاً فسيتم سحقك، و إن كنت قوياً سيحترمونك. هذه هي الحقيقة، و هذا هو القانون الذي يحكم العالم في هذا الصدد.
القوة أولاً، ثم بعد ذلك نأتي لقضية القيم و المبادئ التي نؤمن بها و نحارب لأجلها. الإسلاميون الديمقراطيون يستطيعون أن يفعلوا الكثير لصالح الديمقراطية من خلال التيار الإسلامي، هذا هو المجال الطبيعي لتحركهم أساساً، و ليس من خلال استجداء خصومهم الأيديولوجيين. فليس هناك أي أمل في القوى اليسارية و العلمانية السودانية، لقد ثبت ذلك بالتجربة. لا معنى لأن يتحالف الإسلامي مع اليساري في قضية الديمقراطية، هذا غير ممكن عمليا. و الأفضل من ذلك هو التوصل إلى تسوية تفرضها معادلات القوة على الأرض، و هذه التسوية لا تتم بالعواطف، و إنما يفرضها الواقع على الجميع. و وحدة التيار الإسلامي خطوة في هذا الاتجاه.