يوسف سعيد يكتب : حديث أُمامة

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

يوسف سعيد يكتب :
حديث أُمامة

ما قرأت ما أشارت إليه السيدة أُمامة الترابي في كلمتها المختصرة. لكنني أقول في هذه الكلمة العامة في حق الرجل إن الدكتور حسن عبد الله الترابي آية من آيات الله، هدى الله به خَلقاً كثيراً إلى دين الإسلام الحق من المسلمين أنفسهم ومن غير المسلمين.

هذا رجل إستثنائي خُلُقاً وعلماً، حباه الله علماً واسعاً في شتى ضروب المعرفة فأفاضها على الناس. الدكتور الترابي يستعصي على التأطير والقولبة وأن يوضع في حيِّز بعينه. فذلك رجل لا يسعه الزَّمَكان كما يقول أهل الفيزياء وكلا الزمان والمكان نِسبيُُّ.

والفرنجة عندما يتحدثون عن رجل استثنائي عظيم يقولون عنه انه Larger than life أي أنه أوسع من الحياة وأكبر. وقد كان الشيخ كذلك. على أنني لا أرى بأساً في أن يتبنى البعض حتى من غير الإسلاميين بعض أفكاره معترفاً بمصدرها مستفيداً منها، على أن لا يحاول أن يحتكر صاحب هذه الأفكار ويجعل منه رهينةً لشيعته أو طائفته أو فئته، فالرجل لا تسعه قيود مثل هذه الجماعات وإن تكن قيوداً من حرير.

فقد طاف أرض الله الواسعة كما لم يفعل أي سوداني غيره لا سيما مراكز حضارة عصرنا في أميركا وأوروبا والصين داعياً إلى الله، محاوراً ومحاضراً مع عِلية القوم من الأكاديميين والسياسيين والطلاب وسواهم. حَاضَر في جاتام هاوس في لندن وفي جامعة هارفارد الأميركية مع جون قول المتخصص في الطريقة الختمية ومع جون اسبوسيتو المتخصص في الحركات الإسلامية عبر العالم. وقد أدهش الترابي كل من تحدث إليه، وأفحم أعداء السودان والإسلام في الكونغرس الأمريكي من أمثال هاوَارد وُلبي ولجنة العلاقات الأفريقية في الكونغرس، وأسلم على يديه سفراء من أمثال روبرت كرين القانوني المعروف في عهد الرئيس نكسون إن لم تخني الذاكرة، والسفير كنوت بيرنستروم السويدي في التسعينات. حكى لي السفير روبرت كرين في الثمانينات في واشنطن قصة إسلامه فقال: إنه شهد محاضرة للترابي عن الإسلام ولم يكن يعرفه من قبل فأُخِذ بحديثه كل مأخذ وبعد إنتهاء المحاضرة رأى الترابي وبعض المسلمين يصطفون لأداء الصلاة في غرفة متواضعة فُرِشت أرضيتها بورق الصحف، ثم رأى الناس يصلون في ذلك المكان المتواضع وفيهم الترابي. راقبهم فترة ثم فجأة اقتحم الصف مصلياً مع الجماعة يحاكي حركاتهم وهو لا يعرف شيئاً عن الصلاة أو القرآن حتى قُضِيت الصلاة. وقال في نفسه: إذا كان هذا الرجل المدهش يصلي مع زملائه في مثل هذا المكان المتواضع فلماذا لا أفعل مثله. وكانت تلك بداية دخوله الإسلام. أما السفير كنوت بيرنستروم السويدي الجميل، الطِّوال، الأشقر، أزرق العينين، مترجم القرآن إلى اللغة السويدية، المتحدث بخمس لغات فقد قال لي مرةً في ستكهولم أواخر التسعينات وقد سمى نفسه بعد إسلامه “قنوت” بيرنستروم، قال “أنا لا أساوي شِسع نَعل الترابي” هكذا!

أما في وطنه فإن الترابي لم يترك ولاية من ولايات السودان إلا زارها وتحدث إلى أهلها وأكل طعامهم وعرف همومهم وقضاياهم ودافع عنها. هذا رجل عرف وطنه منذ صباه ولم يرتهن نفسه لمكان أو قبيلة أو جهة، وجاهد في وطنه بكل ما أؤتي من علم وتجربة. وسافر إلى جوبا يشارك أهل الجنوب احتفالهم بدولتهم الجديدة ذات السيادة، وهزَّ وَبَشَّر وَعَرَضَ في المسرح المقام لتلك المناسبة فرحاً بخيار إخوته من أهل الجنوب.

إنه لا يستطيع كائن من كان أن يدجِّنه أو يحتويه – وهو يرقد في قبره الذي أراه من سطح داري – حتى يَلِجَ الجملُ في سَمِّ الخِياط.
هذا وقد جاء في الذكر الحكيم (العنكبوت – 40) “فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا” – الآية. فاليحذر الذين يسيئون للدكتور الترابي بوسائل شتى، منها التقرُّب المخادع إليه وإلى تراثه الفكري ومنهم من فَجَرَ في الخصومة فجوراً ومنهم غير ذلك. وليعلموا أن الله يدافع عن هذا الشيخ المسامح الكريم الذي عفا وصفح حتى عمن كاد يقضي على حياته بضربةٍ قاضية في كندا، وليعلموا أن الله قد نصره وانتقم له من آخرين في حياتهم قبل مماتهم ممن كانوا مِن أقرب الناس إليه فخانوه: فمنهم من فضح الله وقذف بهم في غياهب السجن، ومنهم من كُتبت عليهم الذلة والمسكنة والمهانة طريداً من وطنه بعد العز والسؤدد في قمة السلطة في بلاده، ومنهم من ذُبح ذَبح الشاة ومنهم ومنهم. فاعتبروا يا أولي الأبصار.

غردي وزغردي أُمامة ولا يغُرَّنَّكِ باطلَ تلك الشِنشِنة.

يوسف سعيد

اترك رد