دكتور ياسر أبّشر يكتب : وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ
السودان
الخرطوم : الراية نيوز
دكتور ياسر أبّشر يكتب :
وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ
أنا ومعي ألوف وألوف أكثر علماً ومعرفة بالسودان شعباً وهوية. أنا ومعي ألوف وألوف لدينا رؤية بعلوم السياسة وفنون إدارة الدولة. أنا ومعي ألوف وألوف ندرك تشابك العلاقات الدولية وتضارب المصالح بينها.
وفي الجوانب الثلاثة كافة، أنا ومعي ألوف وألوف ذوو دراية وثقافة ومعرفة ورؤية أكثر من السنهوري والدقير ومريم المهدي وقيادات الشيوعية. ورغم ذلك يصر كل هؤلاء على فرض سياسات بعينها لفرض نمط حياة بعينه، وهو نمط الحياة النيوليبرالي. على أن الكارثة أنهم لا يعرفون جذور الفكر الليبرالي ولا تاريخ نشأته و(اقطع دراعي) أن كانوا يعرفون أحد منظريه، دع عنك البيئة التي نشأ فيها، ومن ثم فهم يتبعون نسخة لا يفقهون فيها شيئا. يصرون على فرضها علينا ونحن الأعلم والأعرف. رحم الله أبا العلاء حين يقول:
أعمى يقودُ بصيراً لا أبا لكمو
قد ضَلّ من كانت العِميان تهديهِ.
لم يفوضهم الشعب وغطرستهم تُضلّهم، فيتوهمون المعرفة توهماً فيقودون الناس إلى مهاوِ، أوردت مجتمعات بلاد الغرب تباباً وخراباً، وسادتهم الغربيون أنفسهم جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا. دأبوا على محو ذاكرتنا ومحو هويتنا بتشريعات تأباها فطرتنا (السحاق واللواط)، يحسبون أن تلك هي العلمانية. ما قاموا به هو نظام هندسة اجتماعية جديد بغرض السيطرة. فالعلمانية تفصل ما بين الدين والسياسة، وهؤلاء يريدون السيطرة على الدين وتحجيمه. ألا تراهم يومها وقد جعلوا وزيره أجهل من يمشي على قدمِ. أنا أقول قولي هذا ليس تباهياً أجوفاً، ولا فخاراً بلا سند. ودونكم فقط أقوالهم وتصريحاتهم وأفعالهم وخطرفاتهم خلال ثلاث سنين خَلَونَ.
ودونكم الدمار الاقتصادي الذي حاق بالبلاد، فبلغ التضخم 352%، وتضاعف سعر الخبز خمسين مرة، والوقود ثلاثين مرةً. ودونكم انهيار مرافق الصحة والتعليم والكهرباء والمياه. وحَدّث عن الأمن ولا حرج. أهذا أداء حكامٍ لهم رؤية!!؟؟
قام الحزب الشيوعي على مِنَح الاتحاد السوفيتي، فلما أفَلَ يمَّموا وجوههم شطر الغرب يرضعون أثداء مخابراته ومنظماته الحرام إلى يوم الناس هذا.
وقام حزب الأمة على أعطيات الحاكم العام، وحتى إسرائيل مدَّ السيد الصديق (قرعته) لها بترتيب محمد أحمد عمر الذي نظم لقاء السيد بالموساد في 1954 في لندن، ثم التقاهم محمد أحمد عمر بتفويض من السيد في اسطنبول. وكان القذافي يموّل الصادق المهدي (رحمه الله)، وموّلته دول الخليج إلى أن تولَّت مريم (مدّ القرعة).
ولم يكن حزب الميرغني بدْعاً عن رفاقه. فالوثائق البريطانية قالت إن الحكام الإنجليز كانوا (يعصرون) للسيد علي، وفي إحداها يشتكي السيد علي محتجاً للحاكم العام أنه يُحابي السيد عبد الرحمن أكثر منه!!! وسار محمد عثمان (بسير ناس آباي) فتولت أمره دول الخليج، ولم تقصر معه مصر أخت بلادي!!!
أما السنهوري فقد كان صدام (كريماً) معه!!!!، ولما جاءت (الثورة) جعلت لجنة التمكين لحزبه جُعْلَاً غير طيب، وكذلك فعلت مع حزب الدقير، هذا غير أُعطيات السفارات والمنظمات.
كلهم يرتمون – فِعْلَ العبيدِ – في أحضان الأجانب، ثم لا يستحون يحدثوننا نحن الأحرار عن الوطنية!!!:
والعبد ليس لحُرٍ صالحٍ بأخٍ
ولو أنه في ثياب الحُرِّ مولودُ
دع عنك أن يكون له زعيماً وقائدا. وحين أتأمل ما آل إليه حالنا- ثم أتذكر (الخموم) الذين ابتلينا به، تعتورني أفكار تقول لي إنّ الله تعالى غضب علينا، فسلّط علينا من لا يخافه ولا يرحمنا، ومن لا رؤية له ولا وطنية. خموم بعمالة. هؤلاء عمالتهم ممزوجة بجهل وادعاءٍ أجوف:
ولا أحبُّ رجالاً من جهالتهم
أضحى وأمسى فيهم آمِنَاً زفرُ
أوصلوا الحال بأهلنا أنك كلما قلت لهم: إنني للسودان قادم، قالوا لك: “جايي تسوي شنو…… الناس ديل ما خلوا بلد….. البلد خِرْبَت” فلا تملك إلّا أن تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.
يُحدِّثُك من بالسودان عن تدميرهم لأخلاق الشباب بالمخدرات في المظاهرات، فيندفعون صُمّاً وعُمياناً نحو الشرطة، يحرقون ممتلكات المواطنين، ويخربون الطرقات “طوبة طوبة”، فقد قال لهم دَعِيٌّ: إن (الثورة) إنما تكون هكذا!!!
خُوصُ العيونِ سماديرٌ مُحَنّطةٌ لن يتركوا الخمرَ حتى ينضبَ العنبُ!!!
وجراء افتقار هذه الشراذم للقيم والخلق، طفقوا يأكلون كل مال وصلت إليه أياديهم. ورغم ما انحطوا إليه، تجدهم يتدافعون لسبِّ كل من يفوقهم خلقاً ومعرفة، فِعْلَ البَغِي. كلُ واحدٍ منهم:
ضليعٌ في البذاءةِ لا يُجارى
كفعلِ التّيسِ في وقت السُفادِ.
ولكن:
ما ضرّ بحرَ الفراتِ يومًا ــــــ أن خاضَ بعضُ الكلابِ فيهْ. تخيل بلداً كان حَفِيّاً بإبداع شاعرتنا روضة الحاج فضاق بها ، وبلداً كان يوقر الدكتور عبد الحي يوسف فلم يحترموا علمه، وبلداً يستهدف سوقته الطبيب العالم مأمون حُميدة ولا يقول لهم كبراؤهم: (جَرْ).
جرّدهم الله من الحياء – بسبب سوء فعالهم – فلا يزالون يزاحمون للرجوع لحكمٍ ما رَعَوْهُ حقّ رعايته بعد أن اختلسوه. وما كان الله ليهديَ كيد الخائنين، ولو جعلوا من ڤولكر لهم نصيرا.
هذا كله مثير للاستغراب، لكن ما يثير الحيرة حقاً أن البرهان يسترضي هؤلاء، ويضيع زمن الشعب ومستقبله من أجلهم. اللهم عليك بالخموم ومن شايعهم فإنّهم لا يُعجزونك.
دكتور ياسر أبَشر
———————————
31 مايو 2022