السودان : تفاصيل مثيرة في قضية سودابيت
السودان
رصد : الراية نيوز
لف الخرطوم هدوءا مشوب بالخوف عما يأتي غدا والراصد الجوي المنذر يرسل الانزار بعد الآخر متوقعا خريفا ماطرا في غضون أيام ولكن الخرطوم تخنقها زرات الغبار العالق ويبدو المناخ كئيبا ومثيرا للضجر والسخط والناس على وجوههم الكدر والهم وقد ألقت احن الاقتصاد بكلاكلها على شعب نصف شبابه تراوده احلام الخروج منه والنصف اما متظاهرا احتجاجا على بؤس الحال أو يائسا يعالج الهم والفاقة بالجلوس أمام بائعات الشاي نهارا والسكون في العالم الافتراضي ليلا ينهلون من منتوج الهواتف الذكيه غثه وثمينه
دخلت مقر محاكم الخرطوم شمال الواقعة في قلب الخرطوم والناس يهرولون نحوها بحثا عن أنصاف أو عودة حقوق عند غيرهم وسيارات الشرطة بل دفاراتها التي تئن من آحمالها وتشق الشوارع بصعوبة بالغة دفارات قادمة من السجون ومخافر الشرطة ورجل تجاوز الثمانين يتكئ علي زراع ابنته أو حفيدته الجميلة وامرأة في الخمسينات تبحث عن حقا ضاع منها ورجال فاخرين ثيابا ووجوه عليها قتره ووجوه ناعمة ووجوه نعمتها النعمة كلهم يتوقون الإنصاف أمام القضاء السوداني ولو كان القضاء بغير ماعرف عنه من استقلالية والقضاء من مهنية لذهبت جموع الباحثين عن الحقوق إلى غير القضاء
بحثت عن القاعة التي تجري بين جدرانها واحدة من أكثر القضايا المرتبطة بتهم الفساد تعقيدا لتداخل الفني والقانوني والإداري والسياسي والعلمي وهي قضية شركة سودابيت الحكومية والمتهم فيها خمسة من قادة النظام السابق بتهم الفساد المالي والثراء الحرام رغم إنكار جميع المتهمين للتهم في مواجهتهم في آخر فصول محكمة أمس الأحد المثيرة بتفاصيلها والغنية بعبرها ودروسها
بحثت عن القاعة واستعنت بالشرطة وشرطة المحاكم وموظفي القضائية ولم اعثر على القاعة ولا اسم القاضي الذي ينتظرها فتسرب اليأس إلى نفسي وخرجت للشارع بحثا عن صحن فول وماء بارد وقبل أن التهم طبق الفول رن الهاتف وابلغني الأخ عمر محمد حسن عن مكان المحكمة وقدم وصفا دقيقا لتعرجان المبنى الذي دخلته آخر مرة متهما في قضية الشاكي فيها جهاز الأمن والمتهم شخصي وأستاذي حسين خوجلي والقاضي مدثر الرشيد والخصم يمثله اللواء محمد حامد تبيدي ولكن اليوم دخلت المبنى مراقبا وصحافيا لفظته صحافة الثورة واحتضنته مهنة الزراعة في أطراف السودان
القاضي محمد بشير شاب دون الخمسين عاما لم يهتم كثيرا عند دخوله القاعة بتقليد وقوف كل الحضور ولم يتشدد الشرطي الوحيد الذي يساعده في تنقل الملفات مابين محامي الدفاع والاتهام
وجلس المتهمين على مقاعد وثيرة وألقى القاضي التحية على الجميع والمهندس صلاح وهبي المدير العام السابق للشركة الشاكية نفسها اي سودابيت يجلس في المقدمة والوزير السابق للطاقة المهندس عبدالرحمن عثمان والمهندس عمر محمد خير ألمدير السابق لهيئة الأبحاث الجلوجية والمهندس الكيميائي عصام الشامي واخيرا جلس المهندس علي حسن أحمد البشير الذي جئ به للمحكمة محروسا بالجنود الاشداء الغلاظ لكنه ينثر ابتسامته في وجه الحضور ويرفع كمامته حينا ليظهر وجهه الناس ربما لقناعته وايمانه بأنه يدفع ثمن وثاق الأسرة التي امتحنت في صبرها على البلاء والابتلاء
اصل القضية والاتهام يعود لسنوات غابرة والسودان يصب الذهب الأسود في شراينه أسباب العافية ووزارة النفط تمد آليات الاستكشاف في الأرض الغنية بالناس والموارد وفي عام ٢٠٠٣ وحينها السودان معافى في جسده وروحه طرحت وزارة النفط مربع سي الواقع في غرب كردفان ويمتد لمساحة ٦٥٠ كلم مربع للاستثمار وتشكل كونسليوم شركة ايكو التي تضم شركات حكومية وأجنبية منها سودابيت الحكومية وهاي تيك وشركة كيلجرت السويسرية لاستكشاف في الحقل المطروح للكافة وتم حفر ٨ آبار ظهرت الشواهد البترولية في خمسة آبار وفي عام ٢٠٠٨ تم تصنيف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لشركة هاي تيك وهي شركة في أصلها تتبع للقوات المسلحة السودانية ومديرها وقتها على حسن أحمد البشير موظفا لاخيل عنده ولا مال ولكن المرؤة جعلت الرجل يكتم في صدره أسرار لمايبوح بها في الفضاء الإعلامي وبعد أن صنفت هاي تيك كشركة داعمة للإرهاب واجهتها مشكلات في التحويلات المالية قررت الشركة التخلص من أسهمها بالبيع للحكومة ( حكومة باعت لحكومة) وعرضت الشركة اي هاي تيك ٢٧ سهما للبيع وتم شرائها من قبل سودابيت بسعر مليون دولار للسهم وخصمت شركة سودابيت مديونية قدرها ١٣ مليون دولار وتم تحويل باقي المبلغ لشركة هاي تيك ليذهب المال لأصحابه اي الحكومة نفسها
وفي عام ٢٠١٢ عند عودة عوض الجاز لوزارة الطاقة انتزع المربع من المجموعة التي استحوزت عليه بغرض طرحه من جديد للاستثمار وبعد ١٢ عاما منذ التاريخ اي في عام ٢٠٢٠ تقدم إبراهيم كامل بعد أن أصبح مديرا لسودابيت بشكوى للنيابة باعتبار البيع الذي تم فيه تجاوز للقانون وان ألمربع الذي يعرف بمربع سي نفسه لاوجود لشواهد بترولية فيه وبالتالي هناك فساد وتبديد لثروات البلاد وثراء حرام وبالتالي وجهت النيابة بالقبض على المتهمين وهم صلاح وهبي مدير سودابيت حينها وعبدالرحمن عثمان وعمر محمد خير مدير الأبحاث الجيولوجية وعلى حسن أحمد البشير وتم إطلاق سراح بعض المتهمين والإبقاء على صلاح وهبي وعلى حسن أحمد البشير في السجن
استجواب الشاكي
خصصت جلسة أمس الأحد لاستجواب الشاكي إبراهيم كامل الذي أناب عن الشركة في المحاكمة شيخ ساتي شاب أربعيني ارتدى بدلة سوداء وبنطال رمادي وملتحي صبر على أسئلة المحامي هاشم أبوبكر الجعلي الذي بدأ ببدلته الرمادية أكبر سنا من القاضي والشاكي والجعلي قانوني يتصدى لكثير من قضايا رموز النظام السابق بيد أن الرجل الذي اكتسي لون شعره بالبياض كان ودودا مع الشاكي بعد أن قدم أسئلته التي رد عليها ممثل الحكومة بالإجابة ( لااعرف) ولا علم لي
وبدأ شيخ ساتي كتلميذ في مدرسة ابن القيم الجوزيه الذي اشتهر بمقولة من قال لأعلم لي قد أفتى
وأعادت استجواب الشاكي لم تضيف كثيرا لما رد في أقواله السابقه حيث أوضح القاضي أكثر من مرة للسائل المحامي هاشم الجعلي أن إجابة شيخ ساتي مكتوبة في المحضر
تدفقت أسئلة الدفاع عن أين موقع الحقل النفطي موضوع الشكوى اي أين يقع في السودان لكن الشاكي لايعلم وأقر بأنه لم يطلع على اتفاقية الشراكة بين سودابيت والشركات الثلاثة ولايعلم له بأن كان بالاتفاقية نصا يتحدث عن طرق حل النزاعات الودية في حال الاختلاف
وأنه لايعلم مؤهلات المتهمين العلمية أن كانوا من أهل التخصص ام لا
وعند سؤاله عن من في الشركة أثبت أن مربع سي ليس به بترول فقال إبراهيم كامل
وقف القاضي محمد بشر يستمع لأقوال الشاكي واتاح كامل الفرصة للدفاع لتوجيه الأسئلة ولم يتدخل مطلقا مما جعل الجميع يشعرون بعدالة الفرص التي منحها القاضي للدفاع والاتهام الذى وجه أسئلة تدعم الشكوى حيث وجه وكيل النيابة سؤال للشاكي عن هل قيمة الأسهم التي بيعت لسودابيت تعادل تكلفة السهم.
وقبل أن يبارح هاشم أبوبكر الجعلي منصة الدفاع ربت على كتف الشاكي وابتسم الجميع وقال له عفوا ياشيخ ساتي حرارة الأسئلة فرضتها طبيعة القضية وحقوق المتهمين ومنح القاضي فرصة للمتهمين للاقرار بالتهم أو إنكارها وقد انكرو جميعا التهم في انتظار الجلسة القادمة للاستماع لشهود الاتهام
يوسف عبد المنان