العبيد أحمد مروح يكتب : روضة الحاج .. النساء مواقف
السودان
الخرطوم : الراية نيوز
العبيد أحمد مروح يكتب :
روضة الحاج .. النساء مواقف
يحتكر الرجالُ لأنفسهم مقولة “الرجالُ مواقف”، والمعنى أن المواقف في أوقات الشدة أو ساعات العسر هي التي تختبر معادن الرجال. وعلى الرغم من كون عموم اللفظ يمكن أن يشمل الجنسين إلاّ أننا نادراً ما نجد ذكراً لمواقف نساء يُشار فيها إلى هذا المثل، لا من قلة مواقفهن بطبيعة الحال، ولكن بسبب هذا الاحتكار غير المقصود على الأرجح !!
ثلاثة مواقف للصديقة الشاعرة الأستاذة روضة الحاج، حدثت في أزمان مختلفة وكنت شاهداً عليها، أو جزءً منها، جسّدت روضة الحاج فيها معنى أن “النساء مواقف”، وقد رأيت بمناسبة فوز ديوان هذه المبدعة السودانية “إذ همى مطر الكلام” بجائزة البابطين لأفضل ديوان شعر، أن أشارك قراء الصفحة بها.
الموقف الأول كان في العام ٢٠٠٥م إن لم تخني الذاكرة، وكنت وقتها ملحقاً إعلامياً في دولة الإمارات ضمن طاقم القنصلية العامة في دبي، وقد رأيت ومعي مجموعة من الإعلاميين السودانيين المقيمين في الإمارات الشمالية أن ننظم ليالٍ شعرية نُسمع فيها جمهور الثقافة والأدب بالإمارات أصواتاً شعرية نسائية من السودان، وقد حرصنا ونحن نخطط لذلك أن نقدم نماذج متنوعة من الأداء الشعري فكان أن وقع اختيارنا على روضة الحاج وهاجر سليمان طه وسعادة عبد الرحمن.
كانت ظروف روضة الحاج الخاصة تجعل من مشاركتها أمراً عسيراً، والحقيقة أيضاً أنه لم يكن في بطاقة دعوتنا ما يغري على المشاركة فالمناسبة كلها تطوعية (لا خيل عندنا نهديها ولا مال) ، لكنه برغم ذلك تجشمت الشاعرات الثلاث وعثاء السفر وحضرن، وكانت مشاركتهن مميزة بدأت من مدينة الشارقة عاصمة الثقافة الإماراتية وشملت كلاً من دبي وأبو ظبي والعين، وقد أحدثت تلك الجولة حِراكاً نوعياً وجعلت من الشاعرات السودانيات محط أنظار المهتمين بقضايا الشعر والأدب.. كانت روضة، وهي قائدة الفريق، تنظر إلى أثر المشاركة وقيمتها المعنوية للجالية السودانية ذات الوجود القديم بين الجاليات في الإمارات، وكان وقع ذلك عظيماً علينا في المجموعة المنظِّمة للمنشط.
الموقف الثاني كان في أواخر العام ٢٠١٧م ، وكنت وقتها سفيراً لبلادي في تونس الخضراء، وقد قطعنا وقتها شوطاً كبيراً في ترتيبات إقامة أول أسبوع ثقافي سوداني في تونس العاصمة بالاتفاق بين وزارتي الشؤون الثقافية في البلدين وكان ضمن فقرات الأسبوع ليلة شعرية رأينا أن تكون نسائية، وبعد تمحيص وقع اختيارنا على روضة الحاج ومنى حسن، وتصادف أن تكون ارتباطات روضة المسبقة تجعل من مشاركتها أمراً فيه مشقة كبيرة، لكنها رأت أن تتحمل المشاق وتعيد ترتيب إلتزاماتها لتتمكن من مشاركة سفارة بلادها في حدث فريد، ولم تقف روضة الحاج عند حد الموافقة على المشاركة بل فاجأتنا بقصيدة جديدة خصصتها لتلك المناسبة، فكانت قصيدتها التي جارت فيها قصيدة نزار قباني التي مطلعها:
يا تونس الخضراء جئتك عاشقاً وعلى جبيني وردة وكتاب.
قالت روضة في مطلع قصيدتها:
يا تونس الخضراء جئتك “مِثله” فعلى جبيني وردة وكتاب..
آويت للمعنى فغلّق بابه وأتيتك انفتحت لي الأبواب.
والقصيدة طويلة نسبياً وهي مبذولة على الشبكة العنكبوتية لمن رغب، لكني أود الإشارة إلى بيتين أتيا في بدايتها ونالا تصفيق الحضور النوعي في تلك الليلة، مع إن التصفيق لم ينقطع في أغلب الأوقات .. تقول روضة:
آتيكِ ألبس سُمرتي أزهو بها فأنا المزيج.. الزنج والأعرابُ
إفريقيا شمسٌ تضيئ ملامحي وعروبتي هذا الدمُ الصخّابُ.
أما الموقف الأخير فقد كنت شاهداً عليه ولم أكن مشاركاً فيه، وهو موقف الشاعرة روضة الحاج حينما تمّ ترشيحها لتكون وزيرة للثقافة في بلادها عقب بيان الرئيس البشير في فبراير ٢٠١٩، وكان الكثيرون من المحللين وأهل الثقافة والأدب، يرون أن النظام في أيامه الأخيرة، وأن على المثقفين النفور منه لا الاقتراب، وكانت روضة تدرك ذلك، لكنها اختارت الخيار الأصعب بأن تقبل خدمة بلدها من خلال الوظيفة الدستورية التي لم تكن في حاجة شخصية لها.
التحية أزجيها مجدداً لروضة الحاج ، سمراء السودان، التي ظلت محل احتفاء أهل الشعر والثقافة في البلاد العربية منذ أن فازت بجائزة شاعر المليون، ومزيداً من الإبداع والمواقف النبيلة..
[…] العبيد أحمد مروح يكتب : روضة الحاج .. النساء مواقف […]