علاء الدين محمد ابكر يكتب : اخرجوا احتجاج علي الجوع واما المدنية فلها رب يحميها

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

علاء الدين محمد ابكر يكتب :

اخرجوا احتجاج علي الجوع واما المدنية فلها رب يحميها

 

أنا ربُّ الإبلِ وللبيتِ ربٌّ يَحميهِ قالها عبدُ المطلب لإبرهه الحبشي عندما طلب منه إعادة إبله التي سرقها جنوده، ولم يتوسله للعدولِ عن مهاجمة الكعبة المشرفة أو مفاوضتهِ لتخفيفِ الأضرارِ التي قد تلحق بها وبأهلها متيقناً بأنَّ الله سبحانه وتعالى سيحميها وأهلها بالرغم من إنَّ الحادثة قبل مبعث نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
لا تصدقْ من يدَّعي الدفاعَ عنك، أو عن مذهبِك، أو قوميَّتِك باتباع أساليبَ منحرفة، أو غير مشروعةٍ لتحقيق غايات معينة، وكن متيقناً أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم، وتَذكَّر أنا ربُّ الإبلِ وللبيتِ ربٌّ يحميه.
ويقول الله تعالى في محكم تنزيله

( : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

صدق الله العظيم

وتفسير الاية الكريمة اعلاه يعني
أى أنت وحدك الذي تعطى الملك من تشاء إعطاءه من عبادك، وتنزعه ممن تشاء، نزعه منهم، فأنت المتصرف في شئون خلقك لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك.
وعبر بالإيتاء الذي هو مجرد الإعطاء دون التمليك المؤذن بثبوت المالكية، للتنبيه على أن المالكية على الحقيقة إنما هي مختصة بالله رب العالمين، أما ما يعطيه لغيره من ملك فهو عارية مستردة، وهو شيء زائل لا يدوم.
والتعبير عن إزالة الملك بقوله وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ يشعر بأنه- سبحانه- في قدرته أن يسلب هذا العطاء من أى مخلوق مهما بلغت سعة ملكه، ومهما اشتدت قوته، وذلك لأن لفظ النزع يدل على أن المنزوع منه الشيء كان متمسكا به، فسلبه الله منه بمقتضى قدرته وحكمته.
والمراد بالملك هنا السلطان
ويحق للمواطن الاحتجاج على رفع الاسعار و واجب على الحاكم الاستماع اليه
وهذا ما كان يحب ان يكون في السودان فكل الانظمة السياسية في بلادنا سقطت بسبب ارتفاع الأسعار وهذه حقيقة ماثلة ومن يشك في ذلك عليه مراجعة التاريخ و كيف سقط نظام الجنرال الراحل النميري في انتفاضة السادس من ابريل 1985م بسبب الوضع الاقتصادي انذاك الذي تاثير بكارثة الجفاف والتصحر التي ضربت السودان في العام 1984م ونفس الازمة الاقتصادية ساعدت على الاطاحة بحكومة الراحل الامام الصادق المهدي حيث كان الوضع المعيشي في ذلك الوقت صعب جدا بسبب كارثة السيول والأمطار التي ضربت البلاد في العام 1988م مما تسبب في فشل الموسم الزراعي وقاد لاحقا الي عدم مقاومة الشعب لانقلاب الاسلامين في الثلاثين من يونيو 1989م وتجرع المخلوع البشير من نفس الكاس عندما حاصرته الاوضاع الاقتصادية في العام 2018 التي جعلته يتبع سياسة التقشف ومن ضمنها رفع اسعار بعض السلع والوقود و الخبز من واحد جنية الي سعر اثنين جنية ليخرج الشارع في ثورة عارمة كان الاحتجاج على ارتفاع الخبز قاسم مشترك لجميع المواطنين وكذلك وجدت حكومة السيد حمدوك الكثير من السخط بسبب اتباعها لسياسة البنك الدولي ورفعها للدعم الحكومي عن العديد من الخدمات والسلع حتي وصل سعر الخبز الي عشر جنيهات ويرحل حمدوك وياتي الجنرال البرهان الذي في عهده وصل سعر قطعة الخبز الي خمسين جنية وهذا السعر فوق طاقة العديد من المواطنين اذا هنا يحق للمواطنيين الخروج و الاحتجاج على الغلاء الفاحش في الاسعار وليس لاجل رفع شعار استرداد السلطة من البرهان فان ذلك بيد الله
الشعب فقد الثقة في الجميع ( المدنيين والعسكر) حيث لم يعملوا على حل مشاكل الشعب الاقتصادية فانحصر كل نشاطهم في العمل السياسي

وبعيد عن الصراع الدائر في البلاد مابين الاطراف السياسية المدنية والعسكرية حول السلطة يعاني في المقابل العديد من ابناء شعبنا من ظروف اقتصادية صعبة للغاية خاصة في المعاش اليومي فبات الحصول علي ثلاثة وجبات من الطعام يعد ضرب من ضروب المستحيل مع ارتفاع الأسعار وصعوبة تلقي العلاج او شراء الدواء فالسوق صار تحت رحمة التجار الجشعين الذين لا احساس لهم بمعاناة شعبنا المسكين ولتزيد عليه الاحداث السياسة مزيد من الاوجاع فاغلاق الطرق والجسور الذي تسبب في قطع ارزاق العديد من المواطنين وحتي المطالب المرفوعة في المواكب التي تخرج لا تتناول قضايا معاش الناس فهي بعيدة عن الاهداف الحقيقية التي خرج من اجلها عموم السودانيون ضد النظام البائد حيث تمت سرقة اهداف الثورة الي شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع فالمنطق يقول ان تخرج احتجاج علي رفع الدعم الحكومي عن الوقود الذي انعكس على السلع الاستهلاكية التي تمس حياة المواطن خير من رفع شعارات جوفاء

لم تتوقف المواكب الشعبية من الخروج الي الشوارع خاصة في الايام التي تصادف ذكريات ثورية خالدة لدي الشعب السوداني مثل ذكرى انطلاق ثورة 19 ديسمبر في العام 2018م وذكرى الاستقلال في الاول من يناير 1956م وذكرى ثورة اكتوبر 1964م وذكرى انتفاضة السادس من ابريل 1985م وذكرى فض الاعتصام في التاسع والعشرين من رمضان بالتاريخ الهجري وذكرها بالتقويم الميلادي في الثالث من يونيو 2019 وفي الايام الماضية خرج الناس في ذكرى الثلاثين من يونيو احياء لذكرى الحراك الشعبي في العام ٢٠١٩م الذي قاد لاحقا الي توافق بين المدنيين والعسكريين باقرار الوثيقة الدستورية و علي اثر ذلك تولي الدكتور عبد الله حمدوك زمام رئاسة الوزراء لتنتهي تلك الشراكة في فجر الخامس من اكتوبر من العام 2021م بقيام الجنرال البرهان باعلان حل مجلسي السيادة والوزراء وتعليق بعض المواد من الوثيقة الدستورية مما اعتبر ذلك من جانب قوي الحرية والتغير علي انه انقلاب عسكري علي عملية الانتقال السياسي نحو الدولة المدنية ولاتزال البلاد بسبب ذلك تعيش في نفق مظلم انعكس حتي علي الوضع المعيشي للمواطن البسيط بسبب عدم الاستقرار السياسي

تتعدد الذكريات ويظل الوضع كما هو عليه مع تمسك كل طرف بموقفه الرافض للحلول فالمكون العسكري لايثق في نوايا المكون المدني في حال تسليمهم لمقاليد السلطة فهم يريدون ضمانات حقيقية وبالمقابل لايثق المكون المدني في العسكريين في حال قيامهم بتنظيم انتخابات مبكرة حيث يسود في اعتقادهم بان تلك الانتخابات سوف تاتي بازلام النظام البائد للسلطة مرة اخري لذلك لن تنجح الالية الثلاثية ( بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والايقاد) في تقريب وجهات نظر الطرفين اذا الحل يجب ان يكون عبر حوار سوداني سوداني وهنا ياتي دور مولانا محمد عثمان الميرغني راعي الطريقة الختمية فالرجل يتمتع بقبول فائق التقدير وله تجارب سابقة في حقن الدماء حيث كاد في العام 1988م مع الراحل دكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية من الوصول الي ابرام اتفاق سلام تاريخي ينهي الحرب في جنوب السودان ولكن انقلاب الاسلامين في الثلاثين من يونيو سنة 1989م نسف كل تلك الجهود مما قاد لاحقا الي انفصال الجنوب اذا بالتالي فان السيد محمد عثمان الميرغني قادر بالرغم من تقدمه في السن علي حماية السودان من الضياع في حال قبوله التوسط بين المدنيين و المكون العسكري فالخروج من هذا النفق المظلم يتطلب تقديم تنازلات من جميع الجهات حتي يتمكن السودان من الرجوع الى مصاف الدول التي تتمتع بحكم مدني مستقر ومن بين تلك الحلول تشكيل حكومة مدنية متوافق عليها لتولي ادارة البلاد لفترة عام تكون من اهم برامجها السياسية تشكيل برلمان قومي انتقالي من كافة اهل السودان مع منح الاسلاميين مقعد واحد لضمان عدم ايجاد عرقلة منهم في حال ابعادهم عن المشهد السياسي بشرط ان يكون ذلك المقعد البرلماني من نصيب شخصية اسلامية محترمة لم تتلوث بمال او دم الشعب السوداني والعمل علي اجازة دستور للبلاد مع ترك المسائل الخلافية الي البرلمان المنتخب والتوافق على شكل ومستقبل الحكم في البلاد رئاسي كان او برلماني وتشكيل لجنة قومية لهيكلة القوات المسلحة مع دمج او تسريح الحركات الموقعة لسلام جوبا مع النظر في مستقبل قوات الدعم السريع فتلك القوات لعبت دوراً كبيراً في الاطاحة بنظام البشير بانحيازها لصفوف الثورة ويمكن تكون بمثابة قوات حرس وطني كما هو الحال في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية فالغرض منها حماية الامن الداخلي والحدود مع تذويب قوات الاحتياطي المركزي في داخلها ليقتصر امر مكافحة الشغب في اطار قوات عمليات الشرطة او يمكن اعتمادها لتكون كجيش ميداني ثاني كما هو معمول به في جمهورية مصر العربية حيث تنقسم الجيوش فيها الي قوات بحرية وقوات جوية وقوات برية (جيش اول ميداني وجيش ثاني ميداني) فالحلول كثيرة من نمازج العديد من دول العالم

وبالنسبة للحياة السياسية يمكن اقتباس تجربة دولة جنوب أفريقيا في المصالحة الوطنية وذلك بانشاء محاكم (للمصالحة والحقيقة) بحيث لا يكون العقاب الجنائي هدفها وانما يكفي اعتراف المتهمين بما قاموا به من جرائم و من ثم طلب الغفران من ذوي الضحايا وقديما قيل (موت ولد ولا خراب بلد) مع عدم تجاهل حقوق الشهداء والمفقودين وذلك بالعمل على انشاء صندوق قومي لرعاية شؤونهم ومنح كل واحد فيهم وسام الشجاعة والواجب مع اطلاق اسماءهم علي المرافق العامة وتخصيص رواتب لذويهم ومساكن وذلك اقل شي يمكن ان يقدم لهم مع تواصل لجنة تقصي الحقائق حول جميع الاحداث التي وقعت في البلاد منذ سقوط نظام البشير والي اليوم في اطار العدالة الانتقالية التي تمهد الي الوصول الي دولة القانون التي يتساوي فيها الجميع

ان وقف حمامات الدم يجب ان تكون الهم الاول للجميع وانسب تلك الحلول هو الذهاب الي صناديق الاقتراع حتي يختار الشعب من يريد ويمكن اصدار قانون للعزل السياسي ليشمل كل من شارك النظام البائد ليس علي مستوي الاسلاميين فحسب وانما يشمل حتي السياسيين الذين شاركوا النظام البائد لذة السلطة لتستمر فترة سريان العزل السياسي علي هولاء لفترة لاتقل عن الخمسين عاما

ان البلاد تحتاج الي دماء حارة علي مستوي جميع الاحزاب السياسية فالحرس القديم فيها لم يعد قادر على تقديم طرح جديد فالتغير الحقيقي يجب ان يكون منطلق من داخل تلك الاحزاب السياسية مع اعداد قانون جديد لتنظيم عمل الاحزاب والتنظيمات السياسية بان لا تكون ذات بعد طائفي او عقائدي لتكون سياسية خالصة لصالح البلاد وان لا تعمل ضد مصالح الشعب

والقوات المسلحة لايمكن تجاهل دورها لذلك سوف تكون موجودة من خلال لجنة الامن والدفاع بالبرلمان الانتقالي والمنتخب حتي لا يحدث لها تهميش لتمارس دورها في حماية حدود الوطن وهي مسنودة بشعب اشتق اسمها منه لتكون درعه الحامي وسيفه البتار

وقوات الشرطة سوف تتحمل في الفترة القادمة مسؤولية كبيرة في بناء دولة القانون
علي اعتبار انها الجهة الوحيدة التي يقع علي عاتقها اقامة العدل وبسط الامن فهي قادرة علي مد جسور التواصل مع قطاعات وشرائح الشعب علي اساس انها الاقرب اليهم فالشرطة تحتاج إلى دعم واعادة تاهيل افرادها خاصة في مجال حقوق الانسان والعمل علي ازالة الصور النمطية التي كانت عليه ابان النظام البائد لذلك تحتاج الي تعامل خاص من جانب الحكومة المدنية القادمة مع رفع رواتب منسوبيها وتوفير السكن الملائم لهم حتي لاتكون مهنة طاردة

والاقتصاد عصب الحياة و يعتبر هو عماد كل تلك الترتيبات فلا معني لكل ذلك والشعب جائع لذلك يجب ان يحتل معاش الناس اهتمام كبير من جانب الحكومة مع اعادة النظر في دعم المواد الغذائية فالثورة 70% من اسباب اندلاعها كانت اقتصادية لذلك يجب عدم تجاهل تلك المطالب واليوم شعبنا يعيش وضع اقرب إلى الجوع والفقر والمرض

ان ازالة اثار نظام الانقاذ الذي ظل جاثم على صدر الشعب طوال الثلاثين عام امر ليس بالسهل فهو يحتاج إلى عمل سياسي واقتصادي كبير وتقديم مصالح الشعب والوطن قبل المصالح الشخصية

اذا علي العقلاء النظر الي المستقبل وليس الي اليوم وان نعمل علي تخطيط وبناء سودان يسع الجميع بعيد عن الجهوية والكراهية والقبلية والطائفية

المتاريس
علاء الدين محمد ابكر 𝗮𝗹𝗮𝗮𝗺9770@𝗴𝗺𝗮𝗶𝗹.𝗰𝗼𝗺

اترك رد