هشام الشواني يكتب : الأمور تحت السيطرة، لكن كيف نفهمها لنتصرف بطريقة صحيحة؟

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

هشام الشواني يكتب :

الأمور تحت السيطرة، لكن كيف نفهمها لنتصرف بطريقة صحيحة؟
______________________________________

دلائل قوية تربط بين الحركة الشعبية وبين الاقتتال الأهلي بالنيل الأزرق، لقد انقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان انقساما عنيفا في العام ٢٠١٧. انقسام بين مجموعة (الحلو) ومجموعة (مالك عقار). ودفعت منطقة النيل الأزرق ثمن ذلك الانقسام العنيف، والذي عرف حربا عسكرية بين المجموعتين. ومنذ ذلك الوقت تشهد منطقة النيل الأزرق استقطابا إثنيا بين المجموعات.

منطق الإمارة والنظارة يعني الأرض والملكية التاريخية، ومنطقة النيل الأزرق لم تعرف إمارة لمجموعات الهوسا، ولكن منطق الإمارة نفسه لا يعني شيء كبير على أرض الواقع. مدينة الخرطوم مثلا جزء من نظارة للجموعية هل يعني ذلك أي شيء؟ الهوسا قبيلة سودانية كريمة وقديمة ومتمددة في كل السودان بخط عرضي من الغرب حتى الشرق. نشاط مجموعات عديدة منها منذ مدة طويلة، نشاط حرفي متصل بالحواضر والبلدات حين تستقر، لذا تجد أحياء الهوسا -ويحدث خلط بينهم وبين الفلاتة فيسمى حي فلاتة- تجدها موجودة في كل المدن بهذا الخط العرضي غربا حتى الشرق.

مالذي أجج الصراع قديما حول الإمارة إذن؟
هي تلك المطامح السياسية للنفوذ، فمع تمدد الخطاب العرقي للحركة الشعبية، ومع محاولات بعض النشطاء العرقيين داخل الحركة من الهوسا وغيرهم في استغلال خطاب العرقية، تم طرح قضية الإمارة للمزايدة السياسية. وقد كان هناك اجتماع قديم للإدارات الأهلية بالنيل الأزرق من مجموعات برتا وهمج وأنقسنا وغيرهم في العام ٢٠١٠ وبحضور مالك عقار الذي كان حاكما للولاية. وطرحت فيه قضية الإمارة، ورفضت بحجج قانونية وتاريخية. ولكن السبب الحقيقي لتأجيج صراع بين مجموعات تعايشت وتبادلت العلاقات لمدة طويلة يعود بإختصار:
للخطاب العرقي الذي تبثه الحركة الشعبية منذ زمن طويل. وهو خطاب قاتل ومدمر، كان موجها ضد الشمال وضد العرب وضد ما يفهم أنه مركز، لكن الخطاب العرقي للحركة الشعبية بطبيعته المدمرة لن يتوقف عن الكراهية، بل سيستمر في بذر بذور الصراع والعنف، لما لا نهاية وبين الجميع. هذا خطاب يقتل أبنائه إذا لم يجد من يقتله!

وما حدث حاليا هو تلاحق لأحداث متبادلة بين الجميع، قتل هنا وهناك، ثأر هنا وهناك، دفعت فيها مجموعات الهوسا الثمن الأكبر، لكن يجب التأكيد على أنها أحداث اقتتال عرقي بجذور سياسية تعود للآتي:

١- انقسام ٢٠١٧ داخل الحركة الشعبية.
٢- مطالب للمزايدة السياسية حول إمارات رمزية متخيلة، والإمارة لا تمنع التعايش ولم تمنعه فيما مضى. لماذا يتفجر الصراع حولها مع كل صراع داخل الحركة الشعبية إذن؟

ما يحدث هناك حدث من قبل في الشرق، في كسلا وبورتسودان، بحيثيات تختلف قليلا لكنها تتشابه كثيرا، وحدث قبل فترة بسيطة في الجنينة أيضا، وفي كل الحالات ستجد تعبئة خطاب السودان الجديد العرقية حاضرة، وستجد جذور صراع سياسي. القتال سيتوقف بالارهاق والتعب المتبادل، والثمن كبير ورهيب وفادح، ولكن تبقى مثل هذه المواقف تأكيد على ضرورة تفعيل دور الدولة وتقويته من جديد.

ما تقوم به الدولة اليوم فعل حكيم لجهاز يعرف تعقيد المسائل، لاسيما وأن الدولة في حالة ضعف بسبب هجمات التطرف السياسي لبرجوازية المعارضة، وعيال المنظمات، وبعضكم قد يستغرب لكني أقول لكم وبكل أسف إن جميع أدوات الدولة، وموظفيها، وجنودها، سيتم تأويلها تأويل عرقي. مثلا قتل في هذه الأحداث جندي من الجيش لأنه من قبيلة البرتا، وكل المكونات موجودة في الجنود والموظفين وغيرهم. الحذر مطلوب إذن حتى لا تتفجر الأمور تماما، متفعيل ديناميكيات محلية للتهدئة وضبط النفس، مع أمل بدور أعظم للدولة، فما أكتبه هو حديث عن واقع الحال والظروف اليوم، ويجب ألا ننسى أننا نتحدث عن ولاية بها سلاح كثير وتاريخ حرب قديم.

على كل ذلك نؤكد خلاصات البسيطة:

١- الحركة الشعبية وخطابها هي العدو الاستراتيجي الرئيس.
٢- لا تعني الإمارة أي شيء ذا بال، هي مجرد مطلب سياسي يغذي الصراع.
٣- الدولة ليست كائنا فضائيا حتى يتشنج الناشطون الإسفيريون في البكاء عليها، سبحان الله أليست هي الدولة التي يناصبونها العداء بكل جهل!!!؟
٤- لا أحد سيهرب إلى أي مكان. بمعنى أن هذه الصراعات لا تخص إقليم معين، ولا عرقية معينة، بل هي صراعات تشمل كل خطابات العرقية والانقسام والتفتت، وتشمل بذات القدر الخطابات المضادة التي قد تولدها عند البعض، من أولئك الذين سيشعرون بأن نجاتهم ممكنة في دولة متخيلة تجمعهم بأبناء عمومتهم!! وهذا وهم تخيلته الحركة الشعبية في يوم ما.

رحم الله جميع القتلى، ونسأل الله الشفاء لجميع المصابين، ونسأله تعالى أن يحفظ البلاد والعباد

والله أكبر والعزة للسودان.

هشام الشواني يكتب : لن يهرب أحد إلى أي مكان

اترك رد