مكي المغربي يكتب : تجربة من الهند تستحق الدراسة في السودان!
السودان
الخرطوم : الراية نيوز
مكي المغربي يكتب : تجربة من الهند تستحق الدراسة في السودان!
هل تعلم يا عزيزي القاريء أن الفديرالية في الهند ليست مستويات حكم وإدارة وميزانية فقط؟ وأنها أيضا منسقة باحكام لتكون هنالك أحزاب محلية أو إقليمية أو جهوية، ثم أحزاب ولائية، ثم أحزاب قومية، وأن الإنتقال من مستوى إلى مستوى ليس بالضجيج ولا الصراخ ولا حمل السلاح واراقة الدماء ولا التدخل الأجنبي إنما بالقانون والدستور.
تجربة تستحق الدراسة جدا، وأتمنى ألا يفهم حديثي هذا بالتفسير الشفاهي الكسول فتؤخذ التجربة الهندية (نسخ – لصق).
الأمس هو يوم الإستقلال في الهند وشرعت في تهنئة عدد من أصدقائي الإعلاميين والخبراء و”الكلام جاب الكلام” وكانت فرصة للحديث عن السؤال الذي يعربد في رأسى على مدى سنوات، وهو “هل يمكن إقتباس تجربة الهند في السودان والترخيص بأحزاب وجماعات جهوية؟”
هل يمكن أن يكون هنالك حزب اسمه الشمال النوبي ويكون من أجل حقوق النوبيين منذ زمان السد العالي إلى كجبار، ويكون الحزب محكوم بالإنتخابات الولائية فقط، وهنالك مستوى تصويت محدد وشروط أخرى تجعل منه حزبا قوميا أو جزء من تحالف قومي.
بل هل يمكن أن يكون هنالك حزب في منطقة محددة “حزب محلي لعدد من القرى التي تقطن فيها إثنية محددة؟”
ولأصدقائي العلمانيين والوزير السابق من حزب الأمة نصر الدين مفرح الذي يبحث عن الوثنيين السودانيين، “حزب الكجور” من منطقة محددة فيها هذه الطقوس.
لا أريد أسرد قائمة من الإثنيات التي لديها مناطق محددة ولكن كلنا نعلم أن عدم التنمية وإهمال مناطق محددة أدى إلى شرخ قومي كبير مع أن القضية كان يمكن أن تحل لو تم تمثيل حزب من المواطنين في البرلمانات الولائية وتصبح بعد هذا مسئولية الوالي المنتخب أخذ حقوق أبناء الولاية من المركز وليس ابتزاز المركز بها لينتقل وزيرا وينسى الموضوع.
في الهند، هنالك قواعد ديموقراطية إنتخابية دستورية بارقام ونسب مئوية محددة تسمح للحزب المحلي أو الجهوي بالأنتقال للمستوى الولائي وتسمح للولائي بالأنتقال للمحلي، والسلطة الأولى والأخيرة هي للناخب الهندي وليس الناشط مزدوج الجنسية.
بالمناسبة ازدواج الجنسية ممنوع في الهند.
وفي اثيوبيا ايضا، وفي ألمانيا لعشاق الدول الغربية.
الجهة هنا تعني الإقليم، أو المنطقة، بل في بعض الدول العربية هذا هو المصطلح المستخدم، والذي تحول في السودان لمعنى غير ملائم، والعيب في الممارسة ولكن المصطلح سليم ولا عيب في “الجهوية” إنما في المتاجرة بها والتطرف باسمها والإسترزاق بها.
أهم ما في التجربة الهندية أنه لا تستطيع عصابة من المثقفين أو الإنتهازيين سرقة قضية جهوية أو التلاعب باسم الهامش أواتخاذها “درقة” للدفاع عن الفساد والسحت “يا فلان”، من أراد تمثيل الهامش فليأتي محمولا على الإستحقاق الإنتخابي للهامش أولا، وهذه هي الديموقراطية الحقيقية.
أيضا من فوائد التجربة الهندية هي السماح – لما يسمى في السودان – بهامش الهامش بالتعبير عن نفسه بدلا من مصادرة الهامش الأكبر لحقوق الهامش الأصغر وأخذ الحقوق من المركز باسم الجميع ثم مصادرتها لصالح جزء من الهامش بل لصالح جزء أو أسرة محدد وتدخل البلاد في دورة تمرد جديدة.
من باب الأمانة العلمية لا بد من أذكر اسم تراجي مصطفى هنا، لأنها الوحيدة من بين الناشطين التي امتلكت الجرأة والمعرفة لكشف القناع عن المتاجرة باسم الهامش، وهي شخصية لا يمكن المزايدة عليها في التأكيد على حقوق الهامش.
وهي – بالمعلومات وليس الإدعاءات – أوردت التهميش الأخطر من تهميش المركز للهامش.
المهم، دعونا نعود للتجربة الهندية المذهلة، والتي يمكن دراستها لصالح السودان، أكرر دراستها وليس نقلها (نسخ – لصق) إذ توجدت تحديات مختلفة في السودان.
الإقتراح موصول لجمعية الصداقة السودانية الهندية، وللمجتمع الهندي في السودان وللسفارة الهندية بالخرطوم وحبذا لو زار السودان فريق من الخبراء السياسيين والأكادميين ونماذج من الأحزاب الولائية والجهوية في الهند لتكون هنالك حلقة نقاش حول هذا الأمر.
مبادرات جامعة الخرطوم أو غيرها من الأحزاب السياسية ومجموعات الناشطين التقدميين لا تركز على هيكلة السياسة والنظام الحزبي في السودان ولكنها تركز على مبدأ حظر وجود أحزاب إسلامية أو على أساس جهوي أو إثني.
مبادرات تريد (نسخ – لصق) المرحلة الليبرالية الأخيرة من تطور النظام الديموقراطي في أوربا وشمال أمريكا وغيرها من الدول التي مرت بالنهضة العلمية وعهد التنوير ثم الثورات وعهود الإرهاب ثم الثورة الصناعية ثم عدد من الثورات، آخرها الثورة الجنسية في كلفورنيا في الستينات – بعد اكتشاف حبوب منع الحمل – والتي تطورت وانتهت بحقوق المتحولين جنسيا الآن، بل وزواج المثليين وحقوق الأسرة المثلية المكونة من “ذكر وذكر” أو “امرأة وامرأة” في تبني أطفال وتنشأتهم، وحقوق المتحولين حيوانيا ونموذجهم من يقول أنه اكتشف أنه قرد مثلا وليس إنسانا ولذلك من حقه أن يصاحب قردة ويقدمها للمجتمع أنها حبيبته ويبيت معها في فراش واحد ولا تشمله جريمة إنتهاك حقوق الحيوان بالاستمتاع الجنسي.
أنا لا أتحدث عن أفلام خيال علمي أو روايات خيالية، هذا هو مستوى الحريات الآن وهؤلاء أشخاص ناقشتهم بنفسي، ولنقل مبروك لهم .. Good for them ما أختاروه لأنفسهم.
هذا شأن يخصهم ويخص بلادهم وعلاقتهم بالدين والأخلاق، شأن يحددونه لأنفسهم ويتحملون نتائجه هم ومن اختار من السودانيين أن يأخذ جنسيتهم ويؤدي قسم الولاء للدستور الأمريكي أو غيره لكننا نحن – أهل السودان – غير ملزمين بالولاء للدول الغربية وثقافتها ومفاهيمها، ولا نكرههم بل نحبهم بمقدار ما فيهم من خير مؤكد “غير مشكوك فيه”، ونقول نحن يجب أن نأخذ منهم ما نريد ونترك ما نريد، ونأخذ من التجارب الأخرى ما نريد ونترك ما نريد.
الإنتباهة