تعرف على سيرة مدير عام الكهرباء الأسبق الذي لم ينقطع التيار الكهربائي في عهده

السودان

الخرطوم: الرآية نيوز

عن حياة الشهيد د.محمود شريف

 الشهيد د. محمود محمد شريف مدير عام الكهرباء الذي استشهد في العام 1994م في منطقة (فوقيه) بولاية شرق الاستوائية. 

تعليمات الرئيس
محمود شريف الذي نشأ وترعرع في بيئة إسلامية التحق بالحركة الإسلامية في بواكير شبابه، جاءت به الإنقاذ كأصلب العناصر لأصعب المواقف، وأوكلت إليه أصعب المهمات عندما كانت الكهرباء سلعة نادرة، وكان يقسم وقته ما بين انقاذ التوليد الكهربائى وسد الثغرات في العمليات العسكرية، حتى أن الرئيس وجهه مباشرة بترك العمليات والتفرغ لثغرة الكهرباء،  فما زاد على التحية والسمع والطاعة، وبحسب الإعلامي جعفر بانقا فإن الرئيس روى بنفسه فقال: طلبته يوماً لأمر هام، فقيل لي إنه سافر لأرض العمليات، فقلت لهم حين يعود لا يذهب لمكتبه قبل أن يقابلني، وحين جاءني قلت له: ألم أوجهك بعدم الذهاب للعمليات .. قال نعم، ولكني ذهبت في إجازتى الخاصة .. ساعتها إغرورقت عينا الأخ الرئيس، وساد الصمت المهيب .. ولم يستطع التواصل.


وفي رواية أخرى رواها رفيق دربه وآخر من كان برفقته قبل استشهاده، وقام بدفنه في منطقة فرجوك بشرق الاستوائية يسن محمد نور، الذي قال إن رئيس الجمهورية طلب لقاء محمود شريف قبل استشهاده بأربعة أيام، فأخبروه أنه في منطقة العمليات، وطلب من القيادة العامة أن ترسل رسالة للمنطقة العسكرية هناك وتطلب منه أن يبلغ الخرطوم فوراً، إلا أنه في نفس اللحظة التي وصلت فيها الرسالة استشهد محمود، وما كان من القائد إلا أن رد: إن الدكتور محمود شريف صعد إلى السماء شهيداً .


لحظات استشهاده
واسترجع يس شريط الذكريات عند لحظات استشهاد محمود، ولم يستطع أن يمنع نفسه من البكاء، وهو يروي تفاصيل ذلك اليوم، ويقول في يونيو 94 لحق بنا محمود شريف في متحرك (وعد المتقين) في منطقة (أمي) بشرق الاستوائية، ولم يخبر أحداً من أسرته سوى ابنه محمد واختاره قائد المتحرك أن يكون في الحلقة الضيقة لإدارة المتحرك، واستطاع في فترة وجيزة أن يخلق علاقات مع الضباط والقائد، ويتابع يس بعد أن حررنا منطقة فرجوك انتقل العدو إلى منطقة (فوقيه) وأصبح يكثف القصف تجاهنا بسلاح (المرق 40 ماسورة) وأضاف أثناء المعركة تعطلت دبابة، وكانت تحتاج للودر لتحريكها، وجاء محمود مع القوة التي أحضرت اللودر، وعندما حضرت وجدت أن الجانبين دخلا في اشتباك بالسونكي، وانتبه محمود إلى أن المتمردين حاولوا السيطرة على اللودر، ودخل معهم في اشتباك وطرحوه أرضاً، إلا أن متمرداً آخر أصاب محمود بطلقة في منطقة القلب أردته شهيداً، لافتاً إلى أنه تم دفنه في منطقة فرجوك، وأشار إلى أنه وجد في جيبه ست تمرات كان ينوي أن يفطر بها.


صفاته
ويمضي يس في وصف الرجل ويقول بالرغم من أنه نال أعلى الدرجات العلمية في تعليمه، وكان أول الشهادة السودانية في العام 1966م بمدرسة عطبرة الثانوية، لكنه ظل متواضعاً وبسيط في تعامله مع الناس، خاصة العاملين معه في إدارة الكهرباء وقال إن علاقته بالجميع ممتازة.


مواقف في الذاكرة
ويروي يس موقف للشهيد حدث مع مدير مشرحةالخرطوم آنذاك …كوباني وقال في ساعة متاخرة في أحد الليالي حضر الشهيد وطلب تقريراً لحالة شخص متوفي بصعقة كهربائية، وكان يحمل معه كفن وأدوات غسول، وقام بغسل الجثمان بنفسه وتبعه إلى أن أوصله (الذرية) في أحدى ضواحي  أم درمان.


وموقف آخر أبان احدى منافسات كأس العالم حرص شريف على أن يتابع الشعب السوداني تلك المنافسات، وقام بنشر تنويهات عبر تلفزيون السودان للأحياء الراقية بترشيد الكهرباء، مهدداً بقطعها منهم حال عدم التزامهم بالتوجيه، وقام بنفسه بالتجوال في تلك الأحياء مما ساعد على توفير الكهرباء والمساعدة في متابعة المونديال.


المدافع عن الحقوق
وأكد يس أن شريف كان من أقوى المدافعين عن حقوق العاملين بالكهرباء، خاصة من يخالفونه فكرياً، وكان يرفض فصلهم عن العمل وتشريدهم، مما سبب له بعض المشاكل في الوزارة، ووصفه (بالحقاني جداً) والاستثنائي.

علاقة الشهيد م. محمود شريف مع العاملين بالهيئة القومية للكهرباء آنذاك كانت علاقة مدهشة. علاقة تجمع ما بين الود والرحمة والمواصلة في الأفراح والاتراح وفي تفاصيل العمل اليومية وتجمع أيضا الحزم والاحترام والقدرة على القيادة تحت رؤية وأهداف واضحة يعرفها كل العاملين بالهيئة.

ولذلك كان العاملون بالهيئة يؤدون وظيفتهم وهم يحبون ما يفعلون وكان هذا يمثل الدافع الأساسي للعمل بوزن اكبر من الخوف من عقوبة او الرغبة في المكافأة.
فتحقق بذلك انجاز عدم انقطاع التيار الكهربائي في الأعوام ١٩٩٢ و١٩٩٣ حتى في الصيف او الخريف وهي المواسم المعرفة بالقطوعات المبرمجة والغير مبرمجة آنذاك رغما الإمكان الشحيحة جدا وعدم توفر الوقود للتوليد الحراري آنذاك.

يحكي رئيس نقابة العاملين بالهيئة القومية للكهرباء أن فريضة الحج كانت من الأحلام بعيدة المنال علي العاملين بالهيئة في بداية التسعينات 1990. اقترح عليهم د. محمود محمد شريف ( المدير العام) إقامة صندوق يكون مخصصا للحج يتم فيه خصم مرتب يوم من كل شهر من كل موظف و عامل (عدد العاملين بالهيئة كان تقريبا 11الف موظف ونصفهم ممن لم يتلق تعليما ) وبعد ذلك تتم قرعة لاختيار عدد معين للحج سنويا تقريبا مائة موظف و عامل.

وافقت النقابة علي ذلك الاقتراح وعند تطبيقه في السنة الأولي ومن شدة فرح العاملين ممن فازوا بالقرعة جاؤوا بأقربائهم ليحجّوا معهم (العامل يحضر معه زوجته أو العاملة تأتي بزوجها) وأضحت الميزانية المتحصلة من الصندوق لا تكفي لتغطية التكلفة وتجاوزتها التكلفة بالضعف تقريبا.

قامت النقابة ومعها العاملين الفائزين بالقرعة ودموعهم في أعينهم باطلاع د. محمود علي الموقف فما كان منه إلا أن وجه المدير المالي للهيئة بتكفُّل الهيئة بالتكلفة الإضافية للحج العاملين وأهلهم. ردّ المدير المالي بأنه لا توجد لديه ميزانية لذلك إلا من الميزانية المرصودة للجازولين للتوليد الحراري لتغطية عجز التوليد المائي فصدّق د.محمود علي ان تخصص من تلك الميزانية وعندما اعترض المدير المالي قال له د.محمود شريف ” ما تقيف في طريق ناس قاصدين بيت الله”.

وكان أنه في ذلك العام لم يحتاجوا لتلك الميزانية بسبب ان النيل الأزرق كانت مناسيبه كافية للتوليد المائي.

كان همّ العاملين هو الهمّ الأول عنده في طريقته الإدارية ولم يكن شحّ الإمكانيات المالية او التقنية يشكل هاجسا عنده كرضي العاملين وارتياحهم في أداء أعمالهم.

كان هذا الصندوق من السُنن التي استمرت بعد مغادرته للهيئة وبعد استشهاده في 23 يناير 1995.

تقبله الله بقبول حسن واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء.

اترك رد