علاء الدين محمد ابكر يكتب : واخيرا سقط جسر لندن
السودان
الخرطوم : الراية نيوز
(سقط جسر لندن ) هي كلمة سرية يستدل بها الوزراء والموظفين الرئيسيين في بريطانيا للعلم بوفاة الملكة استعداد للعمل علي وضع خطة لما سيحدث في الأيام التي تلي وفاة الملكة إليزابيث الثانية من ترتيبات مثل اقامة مراسم الدفن والاشراف علي انتقال السلطة الي الملك الجديد وهذا الاجراء ظل متعارف عليه منذ ستينات القرن العشرين كخطة طوارئ ،وبهذه الكود السري ( سقط برج لندن) عرف المتابعين حول العالم عن نباء رحيل الملكة إِلِيزَابِيث الثَّانِية بعد عمر طويل شارف على المائة عام فإِلِيزَابِيث الثَّانِية هي الملكة الدستورية لستة عشر دولة من مجمُوع ثلاثة وخمسين من دول الكومنولث التي ترأسها، كما ترأس كنيسة إنجلترا الانجليكانية. منذُ 6 فبراير 1952 وقد كانت ملكة المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وهي رئيسة الكومنولث وملكة 12 دولة أصبحت مستقلة تولت اليزابيث الثانية الحكم منذ العام 1952م حتي العام 2022 وهي بذلك تكون اطول الحكام في التاريخ بقاء علي راس السلطة
المملكة المتحدة نظامها السياسي دستوري ملكي وليست ملكية مطلقة فالملك فيها يعتبر رمز الدولة بينما يتولي رئيس مجلس الوزراء تسير امور الدولة اليومية وهذا العرف اتفق عليه البريطانيين بعد صراع سياسي طويل بداء في القرن السادس عشر عندما تمت الاطاحة بالنظام الملكي بواسطة القائد العسكري «أوليفر كرومويل الذي امر باعدام الملك تشارلز الأول واعلان النظام الجمهوري في بريطانيا بديلا عن الحكم الملكي ونتيجة لذلك دخلت البلاد في حرب اهلية مابين انصار النظام الملكي والجيش بقيادة القائد العسكري «أوليفر كرومويل ففي 1651، توصل النجل الأكبر للملك المعدوم تشارلز الأول إلى اتفاق مع الاسكتلنديين، وتُوِّج علي اثر ذلك في يناير 1651، ملكًا للبلاد، وحمل اسم «تشارلز الثاني وفي العام نفسه، انطلق على رأس الجيش الاسكتلندي لغزو إنجلترا، إلا أنه هُزِمَ في معركة «وركستر»، لكن الملك الصغير الذي كان في الحادية والعشرين من عمره فقط، استطاع تجنُّب الأسر، هاربًا إلى فرنسا، بينما سقطت اسكتلندا بدورها في قبضة كرومويل ورجاله وبعد وفاة القائد العسكري «أوليفر كرومويل الذي حكم بريطانيا لفترة عشرة سنوات وبالفعل تراجعت قبضة الجيش خاصة وان الشارع الإنجليزي قد ضاق ذرعًا بالحكم العسكري، مما قاد كبار ضباط الجيش الي تكوين مجلسًا عسكريًّا و في 1660، يلتقى الجنرال «جورج مونك» ممثل للمجلس العسكري بـ«تشارلز الثاني» ليرتبا معًا عودة النظام الملكي إلى البلاد، بشرط الوعد بالعفو والتسامح الديني مع أعدائه السابقين. وبالفعل، في 25 مايو 1660، وطئت أقدام تشارلز الثاني أرض إنجلترا مرة جديدة ومنذ ذلك التاريخ رسمت خطوط عريضة لعلاقة الملك بالحكم ليظل رمز للبلاد فإيمان الإنجليز لا يتزعزع بأن الملك يختاره الرب بينما تكون ادارة امور البلاد من نصيب رئيس وزراء وبرلمان منتخب ،
ان الملكة إِلِيزَابِيث الثَّانِية يعتبر رحيلها فاجعة للشعب البريطاني فهي عاصرت العديد من الاحداث التي عرفتها البشرية فالملكة إِلِيزَابِيث الثَّانِية ظلت تجلس علي العرش حتي قبل ان يهبط اول انسان الي ارض القمر و قبل ان تعرف البشرية الاقمار الصناعية و ظهور شبكة الانترنيت وثورة المعلومات والاتصالات الحديثة وهي شاهد عليان علي ميلاد العديد من الاختراعات والاكتشافات العلمية التي غيرت وجه التاريخ و عاصرت عدد كبير من الحكام والملوك والأمراء وهي بذلك تعد خزانة اسرار العالم وكنز ثمين من اسرار التاريخ الانساني
ان النظام السياسي البريطاني يستحق التوقف عنده كثيراً فهو نمط حكم فريد حيث عمل الدستور البريطاني علي منح الشعب الكثير من الحريات السياسية المدنية وفي نفس الوقت حافظ علي ارث الدولة متمثل في نمط حياة الاسرة الحاكمة والتي تعتبر رمز لهيبة الدولة عكس العديد من الاسر الحاكمة في بعض الدول العربية التي ارهقت شعوبها بالفقر والجهل والتخلف بينما تذهب ثروات البلدان الي حساباتهم الخاصة فتجد الملوك في تلك الدول يدعمون في العلن التجربة الديمقراطية وفي الخفاء يمارسون فساد وديكتاتورية لاتوجد حتي في القرون الوسطى و لم يقتصر الفساد علي الانظمة الملكية فحسب بل شمل حتي الدول التي تزعم انها تسير على النهج الجمهوري ولكنها في الواقع تمارس حكم ملكي اكثر من البلدان الملكية نفسها فتجد فيها نظام توريث الحكم كما حدث في سوريا وكاد ان يطبق في العراق ومصر و ليبيا فحكام تلك الدول لا ينقصهم الا القيام بوضع التاج علي الراس كرمز للملكية بدلا من التوهم بمارسة الحكم الجمهورية
سوف يمر رحيل الملكة إليزابيث الثانية مرور الكرام علي حكام العالم العربي والدول الافريقية والاسيوية ولن تستفيد شعوبهم من تجربة بريطانيا في الممارسة الديمقراطية فالمملكة المتحدة توصلت الي نظام حكم فريد جمع مابين الاصالة والمعاصرة ولكن الديمقراطية لدي الحكام المستبدون في دول العالم الثالث ماهي ماهي إلا عبارة عن اوهام وعبث بينما هي في الحقيقة الضامن الوحيد لحفظ حقوق الشعوب ومحاسبة المسؤولين المفسدين ،
لقد سقط جسر لندن كاشارة الي رحيل ملكة بريطانيا ولكن من يسقط الخوف داخل قلوب اعداء الديمقراطية فهي ليست بذلك السوء الذي يتصورونه فالديمقراطية هي واحة يستظل بها كل محروم ومظلوم ينشد اقامة دولة القانون والمؤسسات التي يتساوي فيها الجميع
يظل البقاء لله وحده ولا ملك دائم الا له فهو الملك الحق
المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
𝗮𝗹𝗮𝗮𝗺9770@𝗴𝗺𝗮𝗶𝗹.𝗰𝗼𝗺