الخرطوم:الرآية نيوز
عندما يتعملق الأقزام
عندما يتعملق الأقزام لا بد أن تتقزم المعاني، وتبهت المبادئ، وتنمسخ القيم، وتسيل الأخلاق، وتسود اقتباسات رثة منها تحاكي العناوين وتخون المضامين، فالتضخم الورمي لا يحتمل المعاني والقيم والمبادئ الأصلية ولا هي تحتمله، وبما أنها في الأصل مستمدة من الدين، فسيحضر الدين، وهو الطريد، ليبرر طردته، وليشرعن حضوره الوظيفي الباهت في ذات الوقت، ليجلد الشفاتي الإمام الذي لا يلتزم بالنص، وليعلِّم العلماني والملحدُ المتدينَ أصول التدين الصحيح!
عندما يتعملق الأقزام يزدهر سوق الخم وتتعدد فنونه وتتجدد، عن قصدٍ يفرضه الطبع، وضرورة يمليها قانون اشتغال التعملق للغريب عن الوجدان .. وإلزام تفرضه غاية التبليد، وتقره قواعد الجدل، وتحث عليه ديناميات تحول الكم الغثائي الخامل إلى كيف غثائي عامل. ويباركه قانون وحدة وصراع الاضداد، ولا يعترض عليه قانون نفي النفي أو سلب السلب، إذ لا مجال لإنتفاخ ورمي يُراد له أن يبدو زيادةً طبيعية في الحجم، إلا بمعانٍ ومبادئ وقيم وأخلاق ممسوخة ومطاطة بالدرجة التي تكفي لأن تنتشر فوق الورم لتشكل غلافاً تبليدياً خادعاً، ولا بأس إن شف من كثرة المط فأعطى للشفافية معنى جديداً في غاية الرثاثة والإبتذال، و لا بأس إن لم تتحمل مرونته المط المطلوب فتمزق هنا أو تهرأ هناك فشف عما تحته مما يراد تطبيع الشعب معه .
عندما يتعملق الأقزام يصبح التبليد غايةً، والتجهيل مقصداً، والتغبيش هدفاً ،بدافعية الرغبة، وبحتمية الهوى، وبإلزام وإلحاح الحاجة، إذ لن تخيل العملقة الزائفة على الذكي، ولن تجوز على المتعلم، ولن تغم حقيقتها على صافي الذهن ..
عندما يتعملق الأقزام فلا بد لهامشي أن يُضخّم، ولأساسي أن يُهمَّش، ولحقائقَ أن تُقلٓب، ولأكاذيبَ أن تروَّج، ولقيمٍ أن تُمسٓخ، فبدون ذلك لن تكتمل خطة التبليد، ولن يصبح شفاتة كولومبيا أيقونات، أو الراسطات ضمير الشعب، أو السانات أئمة الهدى، ولن يصبح الراندوك ذروة البلاغة “الثورية” حاملة القيم .. والقزم بشذوذ كل فكرته وبعض سلوكه، وتلك في الأصل هي علة التقزيم، لن يتحرَّج من أن يضيف شذوذ الكثرة إلى شذوذ القلة، ليكون هو حزب كل شاذ، وكل خارج على المين ستريم الوجداني، وكل متمرد على قوانين المجتمع وتقريراته، خاصةً حين ترعاها المؤسسات، وتعاقب على الخروج على بعضها القوانين . وهؤلاء، مهما قل عددهم في مجتمع سوي، يشكلون أضعاف عضوية الحزب المجهري الذي ماتت فكرته وشيعها العالم منذ عقود.
عندما يتجمَّع الأقزام، ويكون لكل منهم عاهة فكرية، ويعملون من أجل إقناع الجماهير بأن في اجتماعهم عملقة لصف الحق والخير الفكري والسياسي، لن يكون ذلك إلا بخداع استراتيجي يعادل ذلك الذي يقنع معافى أو مصاباً بصداع خفيف، بأنه مريض وأن مرضه مهلك، وأن علاجه في قرصة من أنثى أنوفليس، تواكبها لدغة من عقرب، وأخرى من ثعبان، على أن يخدره الطبيب المزيف بكبسولات تبليد مناسبة.
عندما يتعملق الأقزام، ويكتمل التبليد، تتقزم قيمة الكلمة وتتلون وتتبدل بلا فواصل زمنية، ويصفق البليد للكلمة وللكلمة المضادة، فيطرب لتصريح من نصر الدين يحدثه عن الخمر الثقافة، والحفظة السكيرين، والشريعة الظالمة، والعلمانية العادلة، ويرى في تصريح نصر الدين الآخر عن الشريعة الباقية إلى حين، معالجة لحرجٍ لم يظهره ولم يعترف به، ليتمايل في الآخر طرباً مع جهيزة البرنامج الإسعافي التي تقطع قول خطباء التبشير والتخدير، وتجمع نصر الدين ونصر الدين على طريق علماني واحد كانت وثيقة المحاصصة بنسختيها المزورة للإرادة، والمكملة للتزوير قد رسمت معالمه منذ البداية.
عندما يتعملق الأقزام سيتحول مجلس الوزراء إلى مجلس نشطاء لا يدركون الفرق بين اجتماع مجلس الوزراء وركن النقاش، فيسهل عليهم إدعاء الوقوف على مسافة واحدة من الأديان، وهم عن دين الغالبية أبعد، والحياد تجاهها، وهم ألى التحامل على أحدها أقرب، ولا تسهل عليهم المسافة الواحدة ولا يسهل الحياد تجاه نزاع قضائي بين وزيرة/ناشطة جمهورية وداعية . وهم من أغرقوا الشعب في تصريحات الشو والتطهر الزائف إلى درجة أن أسوأ الناس ظناً بهم كان يتوقع أنهم حتى لو تحدثوا عن الأمر، فسيكون حديثهم عن وقوفهم على مسافة واحدة بين زميلتهم والداعية، على سبيل التخدير والخم الذي مارسوا كل فنونه.
عندما يتعملق الأقزام، ويتنافسون في العملقة عبر المحاصصة التمكينية، ستقحط الساحة السياسية ويصاب رحمها بالعقم، فالأورام الشحمية التي تلف جسد الكائنات السياسية القزمة لا تفرق بين أماكن الزينة الخارجية وبين قناة فالوب السياسة، سيستقر جزء منها هناك بما يكفي لشل قدرة طبيب الإخصاب السياسي على المعالجة، فالريجيم ممتنع بقانون العملقة، والتوريم واجب يومي إن غفل عنه صاحبه لحظةً انكشف وبان هزاله وعاد قزماً يرى المخمومون حقيقته .
إبراهيم عثمان