محمد طلب يكتب : (المكنة) ومئة حيلة عدا (٩ طويلة)
السودان
الخرطوم : الراية نيوز
محمد طلب يكتب :
(المكنة) ومئة حيلة عدا (٩ طويلة)
لعل عنواني هذا يحتاج لبعض الشرح حتي يُدرك َمحتواه لاكبر عدد من القراء
ولكن قبل ذلك اريد اصطحابكم لقصة حدثت معي و انا تلميذ بالصف الخامس ابتدائي عندما طلب منا معلم اللغة العرببة في حصة التعبير كتابة موضوع تحت عنوان ( معاناة اسرة)
هذا عندما كان للتعبير حصة خاصة ضمن مقررات اللغة العرببة يمتد عمرها لما بعدها بكثير… .. وكانت من الحصص الممتعة لمهارة معلمو اللغة العربية وقتذاك وكنت اجد نفسي بها
المهم كتبت موضوعاً جمبلاً نال اعجاب معلمي الفاضل بل جعله محتارا مثلي اذ لم يكن كلانا يدري ان هذا الموضوع و ما يرتبط به سوف يكون مثار جدل ونقاش كبير علي مستوي العالم الاول مع العالم (الطيش) او كما يصفه اهلنا اي ( الاخير في كل شئ) ولوقت طويل ومازال متدولا في منظمات عالمية لحقوق الانسان والمرأة في عالمنا العربي علي وجه الخصوص وعدم السماح لها في بعض الدول العربية بقبادة السيارة
و نيلها الترخيص لذلك وصراع اخذ وقتاً طويلاً ما بين الدين والفتاوي والسياسة والمجتمع والاعراف وووو
كتبت موضوعاً في التعبير كان عن اسرة صغيرة
اراد الله ان يرحل عائلها تاركاً لزوجته المكلومة صغاراً زغباً ولا مال لديه او املاك يرثونها سوي سيارة الاجرة ملكه التي كان يسترزق منها ليوفر قوت يومه مات الرجل و ترك لزوجه مع (التاكسي) سؤلاً حائراً هل من الممكن ان تعمل سائق تاكسي لاعالة هؤلاء الصغار ؟؟
هكذا باختصار ختمت موضوع التعبير بهذا السؤال الكبير وانا اعلم بالمجتمع والاعراف والممنوعات رغم ان اول رخصة قيادة للمرأة في السودان صدرت عام 1945(هذا ما عرفته فيما بعد) الا انني رايت قلة منهن يقدن سيارتهن الخاصة بالخرطوم العاصمة وانا صغير اما( التاكسي) فهو اقرب للمستحيل وظل سؤالي عالقاً منذ سبعينات القرن الماضي وخلق جدلاً في الصف وحتي بين طاقم التربية والتعليم بالمدرسة بين اكثرية معارضة وقلة قليلة رأت ضروريته في هذه الحالة
جاءت الاجابة العملية علي سؤالي في الالفية الثانية بعد. ان نسيته تماماً وانا (مغترب) بدولة الامارات العرببة ليخرج من قاع الذاكرة حين ظهر( التاكسي الوردي) كما اسموه وطلوه بذاك اللون المريح وتقوده السيدات لخدمة الاناث والسيدات والعائلات ولا ادري ان اصبح للعامة ام لا بعد مغادرتي تلك الدولة الراقية
دعونا نعود الان للتعريف بما ورد بالعنوان اولاً (المكنة) عند اهل مصر تشير الي (الموتوسيكل) او الدراجة النارية ولها اشارات اخري لا مجال لها هنا في لغة الشارع اما (المكنة) في الشارع السوداني فهي (اكذوبة عظيمة وحيلة لئيمة) لغرض ما وربما دون غرض وعندما يقولون ( الزول دا بتاع مكنات) فهذا يعني انه كذاب كبير يصل درجة المحتال وما اكثرهم في هذه الايام.. .. اما (9طويلة) فهي عصابات منظمة ظهرت بعد حالة الانفلات الامني بالبلاد ويقال والله اعلم انها ظهرت ( بفعل فاعل) وهي تستخدم الدراجات النارية في علميات النهب والخطف والسرقة وغيرها من الجرائم ..
الشعب المصري الشقيق حفظه الله له مهارات ممتازة في تسخير الامكانيات المتاحة وهم اقتصاديون بشكل مذهل ويعرفون كيف يديرون حياتهم بما رزقهم الله… لفت انتباهي استخداماتهم المتعددة والمفيدة (للمكنة) ومثلها مثل غيرها في مصر فهي تتدرج في مستوياتها من البساطة والبسطاء الي مستويات الرفاهيةَ و مترفيها وفي كل مستوياتها تؤدي الغرض الَمنشود لجلب السعاذة في مستوياتها المختلفة ففي شوارع القاهرة وسياراتها الفارهة وغير الفارهة و كذا (مكناتها) الفارهة والبسيطة تري حياة الناس وجمالها وتمتعهم بتلك الحياة علي قساوتها احياناً… فهذه (مكنة) تحمل اسرة كاملة من خمسة افراد الي العمل والمدارس وهم سعيدون بذلك يتعالي انسهم وضحكاتهم و يرتقي الامل المرتجي كل يوم فيمن ينزلون من( المكنة) لمدارسهم … وهذه حسناء تمتطي صهوة (المكنة) الفارهة وتحت الخوذة نثرت الشعر كالشلال مع حركة المكنة والهواء ويلزم بعضه الكتف و بعض يتبعثر عند اشارات المرور الحمراء
كما ان (المكنة) دخلت ايضاً مجال التطبيقات الالكترونية للنقل حيث يمكنك طلب (مكنة) حسب حاجتك بدلاً عن سيارة تقلك من مكان لاخر اختصاراً للوقت وتوفيراً للمال وما اروع اهل مصر الذي ابتدع من (المكنة) الف حيلة لكسب العيش عدا (9طويلة) وكل رذيلة ابتلينا بها وللمتعة والشباب ايضاً حظ في المكنة والاستمتاع بها فهذا شاب في عنفوان الشباب مغتر وهو يقود (المكنة) الفارهة في حركات بهلوانية وسط هذا الزحام علي العجل الخلفي فقط ثم يقذف ضحكة مجلجلة خلفه عندما يُرجع المكنة الي وضعها الطبيعي وينطلق بسرعة فائقة تاركاً صوت المكنة العالي المتعمد وضحكته المجلجلة لمن خلفه….. صورة يختلط فيها الخوف بالجوف مع المتعة والجمال بعيداً عن الزيف…
منظر يذكرني ب(الاتفاق الاطاري) و(مكنات) اهل السياسة واكاذيبهم بوطني الجريح ومازالت (المواتر) في بلدي تخلق حالة من الرعب الممزوج بالرعب الممجوج بالكذب للمارة من (الغبش) الكا دحين وما زال (الاتفاق الاطاري) يمشي علي العجل الخلفي مستعرضاً (مكنته) ولا ندري متي ينطلق بشكل طبيعي
ومازالت( 9 طويلة) سيدة الموقف وعمليات (الهمبتة) والنهب تجري علي قدم وساق..
وانا اتامل (المكنات) هنا والمواتر هناك واقارن ثم اقول انها طبيعة الاشياء وكل شئ في هذا الكون بلا استثناء يحمل السالب والموجب والخير والشر ويبقي الامر متروك للانسان في كيفية استخدام ما سخره له المولي عز وجل والانسان نفسه هو اكبر وعاء للخير والشر في ذات الوقت واظن والله اعلم ان (الفطرة) ما هي الا تعادل الخير والشر بالانسان او خلوه منهما تماماً حسب فهمي المتواضع للحديث (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما ينتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها)
وتحية اجلال وتقدير لاهل مصر الكرام وقلبي علي وطني الحبيب له الله وانا هنا بمصر المؤمنة احمل نصفي مشلولاً اسال الله ان يبعد عنا 9طويلة ونحن قليلو الحيلة وشعبنا مغلوب علي امره
سلام
محمد طلب