ياسر أبّشر يكتب : في انتظار البيان رقم (1) يا حميدتي
السودان
ياسر أبّشر يكتب :
في انتظار البيان رقم (1) يا حميدتي
سمعنا مولانا أحمد هارون حين كان والياً على شمال كردفان يأمر الدعم السريع بمغادرة الأبيض ودون الرجوع للمركز أو استشارة أحد، وقال: إن هذا قراره هو ويتحمل تبعاته كافة.
وخرجت صاغرة.
هذا علماً أن أحمد هارون (ملكي).
وسمعنا اليوم بيان القوات المسلحة، وهي تشتكي لنا نحن الملكية، من تحركات قوات حميدتي وتحشيداتها دون إذن من أحد.
والحقيقة أن عملية تسلّح قوات حميدتي كانت تجري منذ أكثر من عامين، حيث كانت تُسلَّح بالأسلحة الثقيلة، وتجنِّد ألوف الشباب، وتُراكم العدة والعتاد والمهمات، تأتيها من الإمارات ومن غيرها.
وشهد الناس إفساد حميدتي للمئات من موظفي الدولة في النيابة، بل حتى في داخل الجيش والشرطة، وبين بعض زعماء القبائل.
وشهد الناس قوات الدعم السريع تستولي على ما تشاء من مقار الدولة في قلب الخرطوم، وتغلق ما تشاء من الشوارع.
وتتحرك بقواتها تجوب البلاد طولاً وعرضاً.
حدث هذا خلال كل هذه السنوات..
والجيش يحتج على البرهان.. والبرهان ساكت ولا يحرك ساكناً!
يقيني أنه لولا احتجاج المواطنين في مروي لما أمر البرهان بإصدار هذا البيان الهزيل اليوم.
لم يكن في استطاعة أحد الاستهانة بالجيش من قبل.
ويحدث هذا الآن؛ لأن قائد الجيش يفتقر للشجاعة التي عوَّدنا عليها رجال كالبشير.
ولو طلبنا منه موقفاً أقوى من موقفه الحالي فنحن نكلفه ما لا يطيق:
“إذا سألتَ فَسَلْ من فيه مكرمةٌ
لا تطلبِ الماءَ إلاّ مِنْ مَجَارِيهِ”
لقد خسر الجيش خيراً كثيراً بذهاب البشير. وأخطر ما خسره هي هيبته.
فما صرخ صعلوق في زمن البشير: “معليش….. معليش…… ما عندنا جيش”.
وما كان صعلوق يستطيع أن يتجرأ على الضباط فيفتشهم أمام بوابة قيادة الجيش.
وما كان حميدتي يستطيع أن يتحرك بمفرده، دع عنك قواته، إلاّ بعد إذن.
وكان طوع بنان قيادة جهاز الأمن، يقلبه حَيْثُ يشاء.
أما إغْنَاء الجيش باحتياجاته ومهامه وسلاحه فقد كانت نقلة تاريخية في عهد البشير ، وكان الجنود في عهد الصادق المهدي حفاةً عراةً جوعى ، دع عنك تسليحهم .
حدّثني أحد ضباط الجيش أن الجنود كانوا يرفضون استخدام الـ RPG الإيراني، ويصرون على استخدام المصنَّع في السودان لما وجدوا فيه من مضاءٍ وفعالية.
وأعلم أن السعودية كانت تستورد من السودان القنابل الذكية Smart Bomb سِرّاً، لدِقّتِها، وأيضاً لانخفاض ثمنها مقارنة بالأمريكية.
وكانت منتجات التصنيع الحربي السوداني تُعرض في معرض السلاح السنوي في الأمارات، بما فيها الدبابة “البشير” التي نالت شهرة عالمية وكتبت عنها مجلات السلاح العالمية.
وفي ذلك العهد تم تجميع الطائرات المسيرة Drone، وطائرات الهليكوبتر.
وأعلمُ أن تصنيع السودان لسلاحه، بل بيعه له كان من بين أسباب استهداف الدول الغربية للبشير.
ومعلوم أن أسرار المصانع الحربية سرٌ مصون لا تطلع عليه حتى الدول الصديقة، لكن البرهان، لا عفا الله عنه، أتاحها لإسرائيل التي دمّرت من قبل مجمع اليرموك الصناعي العسكري، فجاست فيه الموساد كما حلا لها.
أسدٌ عليَّ “ومع اليهودِ” نعامةٌ
فتخاءَ تنفرُ من صفيرِ الصافر
هلا برزت إلى “حميدتي” في الوغى
بل كانَ قلبُكَ في جَنَاحيْ طائر
ما سمعنا في عهد البشير أن لواء أركان حرب، يعمل بعد تقاعده سائقاً لعربة أمجاد أو رقشة!!!
كان البشير شجاعاً، شهدت له ساحات المعارك..
وكان مهيباً بين جنوده ولدى الأجانب..
وكان متواضعاً، يفخر أنه من كوبر، وأنه كان عامل “طلبة”، ويؤاكل مواطنيه الفقراء والمساكين، وما ترفّع عليهم يوماً.
لم يُزهَ بالدولة ِ الزهراءِ حاشَ له
مِنْ شيمةٍ تستحقُّ اللومَ والعذلا
وكيفَ يلقاك مزهواً بدولَةٍ
منْ صانه اللَّه كي تُزهَى به الدولا
يا خيرَ مُعتضدٍ باللَّهِ معتمدٍ
عليه معتقد ما استودَع المِللا
مالت علينا غصون العيش مثقلةً
حملاً وقامَ عمودُ الحقِّ فاعتدلا
يا مَنْ وجدناهُ فرداً في سياسته
إن صالَ عدَّل ميلاً، أو قضى عدلا
يا مؤنسَ الإنس والوحشِ التي ذُعرتْ
ومن أخافَ الأُسودَ السودَ والجبلا
مثلُ الحُسامِ الذي يُرضيكَ رونقُهُ
وإن ضربْت به في موطنٍ فصلا.
وقرأنا – بالمقارنة – في حِكَمِ الفرنجة قولهم:
“الجبان هو ذاك الذي يفكّر برجليه في المِلمّات الخطيرة”
Coward: One who, in a perilous emergency, thinks with his leg
وفقد الجيش بفقد البشير من كان يهتم بتدريب جنوده وضباطه، بل كانت معاهد السودان وكلياته العسكرية مِحَج العسكريين من الخليج والأردن. ويشارك عسكر مصر والأردن والسعودية في مناورات جيشه.
وفي عهد البشير ما كانت زعانف من أمثال عرمان وسجمان، وخالد سلك وطه عثمان والبرير، تجرؤ على الاقتراب من القيادة دع عنك الدعوة لتفكيك الجيش!!!
وأما في ظل قائدٍ هزيل، فلك يا حميدتي أن تسرح وتمرح كما تشاء:
هذا زمانك يا مهازل فامرحي
قد عُدّ كلبُ الصيد في الفرسانِ.
وهكذا، فنحن في انتظار البيان رقم (1) منك يا حميدتي. أذع البيان ولا تخش أحداً.. بل إنني أضمن لك أن البرهان سيرسل لك من “يحنّسك” ويترجّاك حتى تلغيه.
لا تخشَ شيئاً..
فهاؤُمُ القحاتة الذين كانوا يسبونك بالأمس عادوا أبواقاً إعلامية تبرر أفعالك وتروج لها.
ودولة البرهان قد هَزُلَت:
لقد هَزُلَت حتى بدا من هُزَالِها كُلاهَا
وحتّى سامَها كل (جاهل).
ورجائي الأخير أن يتضمن بيانك رقم (1) إغلاق الكلية الحربية وكلية القادة والأركان وأكاديمية نميري العسكرية وكل المعاهد العسكرية التي تدرس الاستراتيجيات والعلوم العسكرية، ففي ظل حضورك الميمون ما عدنا نحتاج لكل هذه العلوم.
ياسر أبّشر
————————————
13 أبريل 2023