زعم الزميل الصديق الباشمهندس عثمان ميرغني أن قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) تقف بحناجرها مع الدعم السريع، وأن قلوبها مع الجيش ولو لم تصرّح بحقيقة موقفها، ولعلّي مضطر لأنه أسأله: (أشققت صدورهم)؟
* الثابت أن مواقفهم واضحة جليةً بما لا يحتمل اللبس ولا يقبل اللجج ولا الإنكار، فهم (أي جماعة المركزي) لا يترددون في تبني ودعم وترويج أي رواية تصدر عن الدعم السريع بخصوص الحرب الحالية، بما في ذلك إنكاره لبدء الحرب، مع أن كل الشواهد تدل على أنه لم يبادر بها فحسب، بل خطط وجهّز وأعد لها ما أستطاع من قوة ومن رباط الخيل على مدى شهور طويلة.
* عندما ينكر الجيش إنه بادر بمهاجمة الدعم السريع صبيحة 15 أبريل، ويؤكد أنه تعرض لهجومٍ غادر بدأ باجتياح قيادته العامة سعياً لاعتقال أو قتل قادته، وأن الهجوم شمل العديد من حاميات الجيش في الولايات (كما حدث في الأبيض ونيالا والفاشر والجنينة وغيرها)؛ ينبري قادة الحرية والتغيير لدحض تلك الرواية، ويعضدون رواية الدعامة، مثلما فعل طه عثمان إسحق في حديثه لقناة الجزيرة.
* ومن روايات الدعم التي تبشر بها آلته الدعائية الضخمة أنه يحارب الإسلاميين لا الجيش، مع أنه قاتل الجيش على مدى خمسة أشهر تقريباً، وقتل المئات من ضباطه وجنوده وأسر مثلهم وربما أكثر، ومع أنه لم يعف معاشيي الجيش الذين تركوا الخدمة من القتل والخطف والتعذيب، وعندما ينبري قادة الجيش لدحض تلك الرواية غير المسنودة بأي دليل تنحاز جماعة المركزي من جديد لرواية الدعم السريع، وتتبناها وترددها باستمرار، لتتهم الإسلاميين بابتدار حرب كان الدعم السريع في أتم الاستعداد لها، وكان الجيش لاهياً عنها وغير مهيأ لخوضها، بدليل أن قيادته العامة تعرضت لاجتياح عنيف، كاد يكلف قادة الجيش حياتهم، لولا استبسال ضباط وجنود الحرس الرئاسي في حمايتهم.
* المعضلة الكبيرة التي واجهت تلك الجماعة تمثلت في كيفية التعامل مع ما لا يقبل الإنكار، ولا يحتمل النفي، ونعني به الانتهاكات الكبيرة، والجرائم الخطيرة وغير المسبوقة التي ارتكبها الدعم السريع في حق المواطنين بعد يوم 15 أبريل، باجتياحه للأحياء واحتلاله للمنازل ونهبها وسرقة محتوياتها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، وتعديه على النساء بالاغتصاب والخطف والسبي، وعلى البنوك والسجون ودور العبادة والسفارات والبعثات الدبلوماسية والمرافق العامة والخاصة ومراكز الخدمات ومؤسسات الدولة والمستشفيات وكل المرافق الصحية والعلاجية، وبمقتلة أهلنا المساليت الشنيعة في غرب دارفور، بجرائم يصعب إنكارها، وانتهاكات يستحيل الدفاع عنها.
* لمواجهة تلك المعضلة الكبيرة اختارت جماعة المركزي أن تتمترس خلف شعار (لا للحرب) للتهرب من إدانة ما لا يمكن إنكاره ويصعب الدفاع عنه، وعندما اضطرت للإدانة تحت ضغوط الرأي العام المحلي اجتهدت في تأتي خافتةً خجولة، وأن تضع بها الجيش على قدم المساواة مع المليشيا المجرمة بتخفيف نبرة الإدانة للدعامة، وتغليظها للجيش، بالحديث عن أنه يقصف منازل المدنيين بالطيران، متجاهلةً أن الجيش لم يلجأ لتلك الخطوة إلا بعد أن أقدم المتمردون على احتلال الأحياء والبيوت، وحولها إلى منصات للهجوم عليه، وأن التجاوز المنسوب للجيش لا يقارن بتاتاً بما صدر من الدعم السريع ولا يعتبر راتباً عنده، بدليل أنه لم يقصف أي منزل ولم يجتح أي حي سكني في عشر ولايات تقع تحت سيطرته بالكامل، بل إنه لا ولم ولن يفعل ذلك حتى في محلية كرري بالخرطوم، بعد أن طرد منها الجنجويد بالكامل.
* لم يقتصر انحياز جماعة المركزي للدعم السريع على التساهل مع جرائمه المنكرة، وانتهاكاتهم غير المسبوقة (سيما التي حدثت في حق النساء منها)؛ بل تعداه إلى الهجوم على كل من يساندون الجيش ويقفون معه في مواجهة الجرائم المنكرة التي يرتكبها الجنجويد.
* كل من يجرؤ على دعم جيش الوطن أو التصريح بمساندته له يصبح هدفاً مشروعاً لجماعة المركزي وأبواقها، فيدمغونه بالترويج للحرب والاجتهاد في إشعال أوارها، ويطلقون عليه أسوأ النعوت، ابتداءً (بفرمالة) الدمغ بالكوزنة، وانتهاءً بإطلاق مسمى (بلبوس) عليه، ناسين أن البلبوس لن يكون بالقطع أسوأ من (الديوث) الذي يقبل لحرائر بلاده أن يتعرضن للاغتصاب والخطف والسبي والعنف الجنسي، بجرائم منكرة تبارت في توثيقها وإدانتها واستهجانها كل المؤسسات الأممية والدولية المعنية بحقوق الإنسان وحماية القانون الدولي الإنساني من الانتهاك، وعلى رأسها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومدعي عام محكمة الجنايات الدولية، ومنظمة (Human Rights Watch)، والبرلمان الأوروبي، ووزارة الخارجية الأمريكية، والعديد من المؤسسات الإعلامية الدولية، مثل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وصحيفة (لومند) الفرنسية، علاوةً على المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق المرأة، مثل وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، التي رصدت ووثقت على لسان رئيستها الأستاذة سليمى اسحق المئات من جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي، ونسبتها بما لا يحتمل اللبس أو الخلط لقوات الدعم السريع.
* أعود للباشمهندس عثمان وأذكر له أن ما ادعاه حول وقوف هذه المجموعة مع الجيش بقلوبها واقتصار مساندتها للمتمردين على الحناجر أمر لا يسنده المنطق، ولا تدعمه الوقائع، لأن جماعة المركزي لم تقصر مواقفها على تبني روايات الدعامة واحتضان أكاذيبهم ودعم إنكارهم الساذج لما لا يحتمل الإنكار، بل تعدت ذلك لمعاداة كل من يجاهر أو يهمس بكلمةٍ داعمةٍ للجيش، وبالتالي فإننا لسنا بحاجة إلى سؤال الباشمهندس عثمان عن الكيفية التي استنبط بها فرضيته الغريبة.. بقدر ما نحتاج إلى التعامل مع وقائع ماثلة، ومواقف معلنة، تدل كلها على أن (قحت) باتت شقيقة (قدس) في الصفاقة والخياسة، وحليفتها في السياسة، ونصيرتها في الحرب على ملايين السودانيين، وحليفتها في معاداة كل من تحدثه نفسه بمساندة الجيش في حرب الكرامة.. لتسميهم (البلابسة) مع أن البلبوس في رأينا ورأي ملايين السودانيين أفضل بكل المقاييس من (الديوث)؛ الذي تنعدم عنده أبسط مقومات الوطنية والرجولة والنخوة والخلق القويم، بما يكفيه للسكوت عن اغتصاب الحرائر وسبيهن وبيعهن في سوق الله أكبر، ولدينا عدة أسماء لفتيات بريئات تعرضن للسبي ونجح ذويهن في استعادتهن بالمال، بينما ما زالت العشرات غيرهن يعانين حتى اللحظة فصول أسوأ مأساة حدثت لنساء السودان عبر التاريخ.