الخرطوم:الرآية نيوز
يكاد المريب
لو أن الخبر الذي نشرته الانتباهة عن شبكة الأفلام الإباحية كان في عهد الإنقاذ لما شعر أي مؤيد للإنقاذ بالإحراج الشديد، ولما نظموا حملة إسفيرية للهجوم على الانتباهة والمطالبة بمعاقبتها أو مصادرتها. وإن كان لا بد من حديث قبل ثبوت الخبر فلن يخرج عن المطالبة بضبط الشبكة ومحاكمتها إن ثبتت صحة الخبر . وما ذلك إلا لقناعتهم الراسخة بأن الخبر لا يمكن أن يمثل اتهاماً أو استهدافاً لهم يحتاجون إلى التعامل معه والرد عليه بقوة حتى قبل معرفة الحقيقة، وهذا بسبب يقينهم بأنهم ليسوا محل اتهام حقيقي بالترويج للرذيلة أو التعايش معها.
لكن أنصار حكومة قحت جن جنونهم من خبر الانتباهة، رغم أن رئيس تحريرها أحمد يوسف التاي من معسكرهم، بل ومن الذين يدافعون عنهم حتى بما لا يخطر على بالهم، فقد كان هو الوحيد الذي اتهم الكيزان بالوقوف، عبر وزير العدل، وراء التعديلات القانونية العلمانية لغرض الإساءة لسمعة الحكومة : (من خلال فتح ثغرات تسمح بإثارة مثل هذا الجدل المتصاعد حول إباحة الدعارة والخمر وإلغاء بعض الحدود) !
ردة فعل أنصار الحكومة كانت قوية ومبالغاً فيها، بما يعادل يقينهم الداخلي القوي بأنهم متهومين، وبأن التهمة تستند على أرجل قوية؛ رجل فكرة، ورجل تشريعات قانونية، ورجل سياسات عامة وتوجه، ورجل ممارسات عملية ليست بعيدة عن جو الخبر، ولا تجد العقوبات، ولا حتى الاستنكار، وبعضها وثقه أصحابه بالصوت والصورة ونشروه وهم على ثقة بأن المواد القانونية ذات الصلة لن تطالهم حتى بعد تخفيفها .
هذا اليقين بأنهم متهومين، وبأن الاتهام حقيقي هو الذي ملأ فراغات خبر الانتباهة، فالانتباهة لم تشير من قريب أو بعيد إلى الحكومة وسياساتها وتوجهاتها، لكن أنصار الحكومة هم الذين أشاروا إليها عبر ردة فعلهم شديدة التوتر، وكان ذلك منذ البداية وقبل معرفة الحقيقة .
يزيد تأكيد انطباق مقولة ( يكاد المريب أن يقول خذوني ) عليهم أن كل أجهزة الدولة ذات العلاقة، تصرفت كما يتصرف أي متهوم مزنوق عليه إثبات براءته .. تصرفت وكأن ثبوت صحة الخبر لا يعني فقط أن هناك في أي مجتمع منحرفون على الدولة تطبيق القانون عليهم بل يعني تلقائياً إدانة الحكومة ! انطلاقاً من هذا الشعور وهذه الزنقة الذاتية رأوا ضرورة كتابة بيان خاص يُصاغ بحيث ينفي التهمة عن الحكومة في المقام الأول ثم عن بقية المتهومين… أياً كان الأمر؛ صحت الرواية الحكومية أو لم تصح، فإن الجو الموجود في السودان الآن يشجع المنحرفين على التفكير فيما تحدث عنه خبر الانتباهة، والحكومة تعلم ذلك، وأنصارها يعلمون، وهم من قالوا هذا بأوضح وأبلغ العبارات التي صاغها رد فعلهم المتوتر .
إبراهيم عثمان