هشام عثمان الشواني يكتب : 30 يونيو 2021 تقدُم للأمام

السودان

رصد : الرآية نيوز

30 يونيو 2021 تقدُم للأمام

هشام عثمان الشواني

اليوم الثلاثون من يونيو من العام 2021 شهد تظاهرات سلمية عديدة في نواحي البلاد وأبرزها في العاصمة الخرطوم ومدن ولاية الخرطوم الأخرى في أمدرمان وبحري، ومدن ولائية أخرى في بورتسودان وكسلا وعطبرة ونيالا والأبيض وغيرها. تُقدر أعداد المتظاهرين في قلب العاصمة الخرطوم بحوالي الألفين حتى ثلاث ألف، مضاف إليهم أعداد كبيرة في امدرمان وأقل منها في بحري وأعداد مُقدرة في المدن الولائية.

مالذي يعنيه هذا اليوم بالنسبة للحراك المُعارض ضد النظام الحاكم في الخرطوم؟ وما دلالاته البعيدة؟ وكيف سيكون المشهد من بعده؟ هذه أسئلة هامة تدور في ذهن كل السودانيين وللإجابة عليها لابد من كشف كل التناقضات المُصاحبة لهذا اليوم وتحليل خطاب السلطة والمُعارضة بتنوع تياراتها.

من جهة السلطة الحاكمة فهذا اليوم كشف وجهها القمعي المُتسلط أمام جميع المُتابعين للمجال السياسي، ذلك الوجه المٌماثل تماما لطريقة النظام السابق القمعية وكيف تتحول أداة الدولة العنيفة وأجهزة شرطتها لأداة قمع للمُعارضين. اجتماع اللجنة الأمنية الذي إنعقد اليوم يُوحي بتفاهم عميق بين المدنيين الحاكمين والعسكر. تبادل أدوار مٌتكامل بين المدنيين والعسكر وهذا الأمر بات اليوم واضحا للجميع في ظل دولة تُحكم من غير دستور وتشهد تمكينا جديدا وصعودا لانتهازيين من قوى الحرية والتغيير وأحزابها. الجيش يُراقب المشهد من بعيد وقيادته مُستفيدة لأن المدنيين الذين يخشون من التظاهرات السلمية ضدهم سيرتمون في أحضان القيادة العسكرية. كل ذلك والخلل السياسي والتنفيذي والهيكلي في أجهزة الدولة يفضح النظام ويكشف حقيقته كنظام مٌختطف لإرادة الشعب السوداني.

السلطة الحاكمة فقدت شرعيتها السياسية والأخلاقية أمام العالم وأمام فئات عديدة من الشعب السوداني، وهذا بعد سياسي لتظاهرات اليوم سيدفع الحكومة نحو مربع التمسك بالقوة كوسيلة وحيدة للحكم. غالب الفئات الكادحة والطبقة الوسطى المسحوقة لا تعتبر أن الحكومة تُعبر عن قضاياها ومطالبها وهذا ما عكسته تظاهرات اليوم حيث ظهر بعدها الطبقي مكشوفا فغالب من خرج اليوم أو من رحب بالخروج كان من عموم الشعب السوداني الكادح. وهنا فالسلطة الحاكمة في السودان وبسياساتها الاقتصادية النيوليبرالية تظهر كحليف طبقي وثقافي مع فئات من كبار الرأسماليين ومع تلك الفئات المُتعلمة من أبناء بعض الرأسماليين المُمتلكين لوسائل الأعلام المُعاصرة والقادرين على تغطية إعلامية فعالة. هذه الفئات لأنها ذات مصلحة مع السلطة لم تتفاعل إعلاميا مع المظاهرات فظهر عجز إعلامي في الصورة والفيديو لم يكن متوفرا في ثورة ديسمبر ليبرالية الطابع. بذلك فالمشهد يتضح شيئا فشيئا من جهة أن قوى المُعارضةٍ هي قوى وطنية مُحافظة قواعدها الاجتماعية من فئات الطبقة الوسطى والفقيرة وأن قوى النظام هي صفوة أحزاب معزولة عن المجتمع مُتمكنة من السلطة تحوز على كوادر بسيطة العدد انتهازية تؤدي دور حماية للنظام.

ظهر خطاب السلطة عاجزا ومٌضحكا في الدفاع عن النظام. فلجنة إزالة التمكين قدمت مسرحية رديئة حول مضبوطات خطيرة كجزء من مخطط خطير وراؤه فلول من النظام السابق، إعادة مملة لخطاب الاستبداد والمُضحك أن المعروضات كانت: أوراق مالية بسيطة، أجهزة تلفون وسكينة من سكاكين المطبخ!

شهدت التظاهرات حملة اعتقالات واسعة طالت عديد من الإعلاميين والصحفيين بتهور وخوف مُبالغ فيه من السلطة، يبدو أنه نابع من المدنيين تحديدا في لجنة التمكين التي باتت سرطانا مُتضخما يُهدد هذا الدولة ومُستقبلها.

دلالات هذا المشهد هي :-

1- النظام الحالي نظام معزول بلا شرعية سياسية وعاجز عن طرح أي مشروع مُقنع للشعب وأستنفد أغراضه تماما.

2- المًعارضة تحتاج أن تتبنى مشروعا استرتيجيا لتغيير هذه الأوضاع وهذا المشروع يجب أن يغطي كل الجوانب المُركبة للصراع من ناحية سياسية وثقافية وطبقية مع وعي بالصراع الإقليمي على السودان. هذا المشروع يحتاج لفكر وعمل يومي واستراتيجي كواجب وطني لابد منه.

3-واحدة من أكبر الخسائر التي خسرها النظام الحاكم هي زيادة مقدار التشكيك الذي سيطاله من المجتمع الدولي، وبعض الدوائر التي قد تضيف لعدم كفاءة طاقم هذه الحكومة وضعفهم الواضح؛ فتُضيف لذلك انتهكات في ملف حقوق الإنسان وهذا ما ظهر في حملة الاعتقالات الواسعة والقمع العنيف ضد المتظاهرين السلميين.

أخيرا: حراك اليوم هزيمة بالنقاط لنظام لا زال يحكم البلاد، ونقاط مُسجلة في خانة المعارضة الوطنية. ما حدث اليوم تقدم جدلي في طريق هزيمة الوعي الزائف وكشف الجذور الحقيقية للصراع حتى تتشكل الجبهة الوطنية السودانية التي ستذهب بحكومة العملاء الانتهازيين إلى مزبلة التاريخ.

اترك رد