الخرطوم:الرآية نيوز
إبراهيم عثمان يكتب:
الأساطير المؤسسة لدولة القحط ( ٣ – ٤ )
( بلادنا قادرة على بناء نفسها تدريجيا بنفسها وأبنائها فقط، ولا تحتاج لأي هبات او صدقات سريعة تجلب لنا المذلة وتعطي الغريب الحق للتدخل في السيادة السودانية او ليمارس دور الوصاية ) – د. عبد الله حمدوك
شخصية الخبير الاستثنائي حمدوك واحدة من الأساطير المصنوعة التي تم الترويج لها بإعلام كثيف، وهناك أسطورة أخرى رُكِّبت على هذه وهي أسطورة الإجماع غير المسبوق على شخص حمدوك، اتخذت الحملات مسارات متعددة وكانت النتائج غاية في البؤس :
▪️ إذا صح أنه كان هناك إجماع حقيقي غير مصنوع لشخص حمدوك، فهذا يدل على أننا في أزمة كبرى، فكيف تسلم الأمة رقبتها لرجل لا تعرفه ولا تعرف مشروعه وخططه ومنهجه في العمل، ولم يسبق لها أن تابعته في المنابر، أو قرأت له، أو تابعت مسيرته السياسية ؟ غياب هذه المطلوبات الأساسية للشخص الذي يستحق الإجماع والثقة الكاملة يدل دلالة قاطعة لا مجال لدحضها بأن ضرباً من السواقة بالخلا والتسويق غير الأمين قد تم، وأن هناك حالة قطيعية قد تم الاستثمار فيها.
▪️ بعد الترويج الأولي لشخصية حمدوك بدأ الترويج لسياساته، وكانت حملة شكراً حمدوك التي استمرت لفترة تقتات على ما تبقى من إرث الحكام السابقين، بمعنى إنها استطاعت أن تستمر لفترة في ظل الأوضاع الموروثة قبل أن تظهر آثار سياسات حمدوك، ومنذ بداية ظهور الآثار بدأت الحملة في التلاشي، إلى أن جاء وقتٌ أصبحت كتابة شكراً حمدوك في مواقع التواصل الإجتماعي لا تتسبب في العدوى الببغائية بل تجلب السخط.
▪️ بعد ذلك تولى حمدوك بنفسه مهمة تسويق نفسه وسياساته بلازمة (سنعبر وسننتصر) والتي أتت كبديل لشكراً حمدوك بعد موتها، وكانت تتحدث عن المستقبل، وتحاول أن تخفف عن المحبطين الذين رأوا الآثار جوعاً وفقراً ومرضاً وانعدام أمن، إلى أن أتى وقتٌ أصبحت هي الأخرى تجلب السخرية فتخلى عنها صاحبها وتبعه الأنصار، ولم تعد تُذكَر إلا على استحياء وفي مناسبات مرتبطة بالخارج ودعمه للحكومة !
▪️ وبعد أن ثبت أن النتائج الآنية لسياسات حمدوك هي ما يعيشه الناس من معاناة غير مسبوقة، وبعد أن مات الأمل في العبور في مدى زمني قصير، أنت تسمية المؤسس التي توحي بأن حمدوك لم يأتِ من أجل سياسات ترفع المعاناة حالاً أو في المدى القصير، وإنما أتى لجراحات عميقة مؤلمة يدفع الشعب ثمنها كاملاً ليؤسس لدولة قوية في المستقبل !
▪️ولغرض التخدير والتعزية عن الواقع شديد البؤس تفتقت عبقرية النشطاء عن شعار ( الجوع ولا الكيزان ) ليواكب تسمية المؤسس ويعالج مرارات الحاضر لتتكفل الأخيرة بتغذية الأوهام وانتظار نعيم المستقبل البعيد .
▪️ تسمية المؤسس لم تقوم على سياسات اقتصادية وإدارية عبقرية أتى بها حمدوك ورأى الناس ثمرتها فتفاءلوا بها، وإنما استندت فقط على عمود واحد هو الزعم بأن تبعيته/انفتاحه على الغرب سيجلب الدعم الكبير الذي يبني السودان، في تناقض كبير مع الوعود التي أطلقها في بداية عهده عن الاعتماد على الذات، وعن أننا سنجبر البنك الدولي على التعامل معنا بروشتتنا لا روشتته !
▪️ التهافت من أجل جلب العون الخارجي أفضى إلى اعتماد شيه كلي على الخارج وإلى تبعية اقتصادية رهنت اقتصاد البلاد لسياسات وعطايا المانحين والبنك الدولي وشروطهم. حتى أصبحت وعود الخارج هي العلف الوحيد الباقي الذي تستند عليه حملات التسويق بعد ثبوت فساد كل الأعلاف الأخرى وانتهاء صلاحيتها .
▪️ إثبات استحقاق الحكومة للعون الخارجي انبنى أساساً على التبعية الفكرية والثقافية وعلى تعديلات في السياسات والقوانين التي تقنع الغرب بأننا نشبهه فيما يلي العلمانية وموقفها من دور الدين .. بينما الحكومة كانت قد بدأت عهدها بوعود على لسان د. الأصم، وعلى لسان الناطق باسم قحت وقتها أ. وجدي صالح الذي خاطب الجماهير مستنكراً الحديث عن العلمانية، ومؤكداً على أنها ليست من اهتماماتهم، بل وليست من اختصاصاتهم أصلاً، وأكبر إثبات على ذلك أنهم لا يأتون على سيرتها !
▪️ المؤسس لم يفعل أي شئ خارق، كل الذي فعله، إضافة إلى اعتماد العلمانية، هو دعم التطبيع مع إسرائيل بعد ممانعة خجولة، والقبول بدفع التعويضات نيابة عن تنظيم القاعدة، وجلب بعثة أممية بصلاحيات واسعة على كامل التراب السوداني، والقبول بإدارة أوروبية لمكتبه (بواسطة سودانيبن) تدفع الرواتب وتوجه وتراقب الأداء، والتوقيع على الاتفاقيات الدولية المثيرة للجدل، والقبول بالتدخلات الخارجية، وبالجملة قيامه بتسليع كل الثوابت وعرضها في المزادات العالمية. وهذا تأسيس كسول كان أي حاكم يستطيعه إن كانت مبادئه تسمح، بل كان باستطاعة غيره أن يجلب منه فوائد أكبر إن رأوا في البيع بالجملة حكمة ورشد وتأسيس للمستقبل، وأداروا عملية البيع بشكل أفضل.
▪️ معظم هذه السياسات يُفترض أنها تتعارض جذرياً مع المبادئ المدعاة لمعظم أحزاب الحكومة، وعادةً تكتفي هذه الأحزاب بإصدار بيانات الرفض الشجب والاستنكار للقرارات، ثم تنخرط مباشرةً في التصدي للرافضين الجديين، وفي تخدير الشعب بالثمرات المتوقعة للسياسات المرفوضة !
▪️ بديهية ومسلمة لن يغالط فيها أحد : الذي يعجز لسنتين عن تسيير المستشفيات، والذي مات في عهده أكبر عدد من المواطنين بسبب انعدام العلاج أو غلائه، و الذي يعجز عن صيانة الطرق، وعن إكمال مشروعات موروثة كانت في اللمسات الأخيرة، والذي تتردى كل الخدمات في عهده، رغم رفع الدعم والعطايا الخارجية، والذي تحتاج معظم سياساته وسياسات معاونيه إلى مراجعات بدأً من المناهج التي طُبعت بالشحدة وجُمٍّدت، ومروراً بعشرات القرارات الوزارية التي ألغيت بعد ثبوت عدم صلاحيتها فور العمل بها، وانتهاءً بجرعة الدوس الاقتصادي الأخيرة التي فرضها بلا معالجات تُذكر لآثارها، ثم اضطر على وقع الاحتجاجات للوعد ببعض المعالجات، الذي يكون هذا هو حاله إنما هو مجرد أسطورة مصنوعة لن يصلح للتسيير ناهيك عن التأسيس .
إبراهيم عثمان