يحيى محمد عثمان يكتب : طالبان أهل العزائم والعمائم

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

طالبان أهل العزائم والعمائم
يحيى محمد عثمان
أجمل ما في الشعر خاصية التجديد في الخطاب لا تشعر معه انه متصل بحدث او جغرافيا محددة وتشعر ان الشاعر صاحب الحكمة يكتب للجميع دون تفرقة او تمييز متجاوزا لمحدودية الزمان والمكان المخاطبين. سميح القاسم شاعر المقاومة وفلسطين من هذه الثلة التي تكتب شعرا يتلبس الجميع دون قيد او شرط يقول في رائعته خطاب في سوق البطالة:
ربما اعرض للبيع ثيابي وفراشي.. ربما اعمل حجارا وعتالا وكناس شوارع.. ربما ابحث في روث المواشي عن حبوب.. ربما أخمد عريانا وجائع .. يا عدو الشمس لكن لن اساوم… وإلى آخر نبض عروقي سأقاوم.
ضج العالم في ارجائه بما قامت به حركة طالبان وابناء البشتون من نصر معزز في افغناستان تواجه وحدها جيشا مسخا منحوتا بعناية منهجا وعقيدة وسلاحا مردفين بتحالف عرمرم يضم زهاء 42 دولة على رأسها الولايات المتحدة الامريكية اعظم امبراطورية عرفها التاريخ كما يقول عبدالوهاب المسيري.. ما لانت لهم عزيمة وما هانت لهم قناة يدكون حصون الخراب حصنا بعد حصن حتى وطأت اقدامهم قصر الحكم بكابول ورئيسهم يفر في وضح النهار لا مقاومة تذكر ولا استبسال يخلد اشرف غني في صحائف التاريخ. هذه عادة الوكلاء المأجورين عبر التاريخ ذات الصفات والسلوك مع اختلاف التسميات والسمات.
اشاهد ذلك واستذكر عندما كنا صغارا نتوسد امام شاشات التلفزة لنشاهد جورج بوش الابن يعلنها بملء فيه حربا صليبية شاهدنا الطائرات تحشد والاساطيل تجمع والصواريخ من قبيل توماهوك وكروز تقصف بلا رحمة ولا هوادة تبتر الرؤوس والانفس والثمرات دكت جبال التورا بورا وضربت قندهار بام القنابل وهدمت مساكن وثكلت نساء ويتمت اطفالا وكنا نظن ونحن قوم عزائمنا فاترة متهالكة أن طالبان الى موات ومواراة الثرى كنا شهودا على تخليق الارهاب وغرسه في عقولنا وتعميمه على كل صاحب عمامة ولحية وحامل مسبحة حتى لو كان شيخا كبيرا يتكئ على عصاة الزمن حتى اصبح الناس يتوجسون خيفة من مظهر التزام او تدين… اصطف الرؤساء والزعماء والنخب في عالمنا العربي مدونين ملاحظات كوندي رايس وتوجيهات جورج تينت عن الدين الاسلامي الجديد وملامحه كيف كنا صاغرين اذلاء نعدل المناهج ونحذف الآيات ونضعف النفوس ونسلخ الهوية ونصنع الدراما التي تخدم الغرض والخط الجديد وتقف لورا بوش تحدث نساءنا عن تخلفهم ورجعيتهم بحجابهم وهويتهم. هذه المشاهد والاحداث ما حدثنا بها اب او ام بل كانت امام اعيننا…
المثير للدهشة الان ان طالبان تعاملت مع الاخر وفقا لمعادلاته وصياغاته المفاهيمية المؤسسة لسلوكه السياسي رواد النظرية الواقعية في العلاقات الدولية من امثال مورغان ثاو كانوا يحدثون عن مفهوم القوة والبحث الدائم عنه وبدونها لا يمكن الاستمرار في الوجود وانها تمثل نقطة الوصل بين العقل والعالم الحالي وعززت هذه المقولات بأفكار المحافظين الجدد من امثال رامسفيلد وحديثه عن نظرية الصدمة واثرها في تدمير العدو والمثير للعجب والسخرية من ذاتنا اننا كنا المبادرين بالاستجابة لمثل هذه المقولات ونذكر كيف ان تنازل الراحل القذافي عن المشروع النووي الليبي وبادر بفتح ابوابه لفرق التفتيش املا في الحماية التي ما وجدها ساعة مقتله من قبل من كان يبحث عن الامان عندهم وكيف بادرت الاجهزة الامنية العربية بالتعاون الاستخباري المفتوح وتقديم الغث والسمين من المعلومات على اساس ضمانات الحماية الامريكية كل ذلك ما حرك في طالبان شعرة استسلام وما حدثتهم نفسهم عن انكسار وهيأت نفسها لحرب استنزاف طويلة توجت بمشاهد اليوم.. ووفقا لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون والتي اصدرت دراسة عن ان تكلفة الخسائر المادية للولايات المتحدة في افغانستان تقدر ب 2.25 تريليون دولار منها اكثر من 100 مليار خصصت لتأسيس الجيش الافغاني والنتيجة لا تحتاج الى دليل.. ما يستخلص من درس طالبان هو ان نهوض الافراد والجماعات والامم يحتاج الى صبر على المصاعب وثبات على المبادئ والقيم الحاكمة لا ان تباع في ناصية الطريق عند اول زلزلة وان طريق البناء ليس شرطا له رضاء اليانكي ولا عبورا عبر تل ابيب كما يروج بعض (القادة) بل اعتزاز بذواتنا الحضارية والقيم الناظمة لمجتمعاتنا واخلاقنا مع اصغاء لمقولة ابو تمام ناصحا بها بقوله: لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر.

اترك رد