الخرطوم : الرآية نيوز
إبراهيم عثمان يكتب :
الوعد الأوْلَى بالمخالفة
دعونا من وعود القحاتة الكبيرة التي حاولوا تحقيقها وفشلوا، نتيجة عجز أو كسل أو قلة خبرة، أو سوء تخطيط وتدبير، فوجدوا فرصة لتعليق الفشل على هذه الشماعة أو تلك .. دعونا من هذه، لنحاكمهم إلى أربعة فقط من بين وعودهم الكثيرة التي فعلوا عكسها عامدين مع سبق الاصرار والترصد، لنقيس إليها جدية وعدهم بانتخابات حرة نزيهة :
١/ وعدوا الشعب بحكومة كفاءات مستقلة، ثم تحاصصوا المناصب .
٢/ وعدوه بألا يطبقوا العلمانية، ثم كان تطبيقها على رأس اهتماماتهم .
٣/ وعدوه برفع المعاناة، ثم قاموا بمضاعفتها عشرات المرات، برفع الدعم بأقسى طريقة، وبمضاعفة الضرائب والجمارك والرسوم .. إلخ .
٤/ ووعدوه بحفظ سيادة البلد واستقلال قراره، ثم كانت بعثة الوصاية، والرواتب الدولارية من الاتحاد الأوروبي، وكان الترحيب بتدخلات السفراء، بل طلبها ابتداءً، والاستزادة منها..
ما الذي دعاهم إلى مخالفة هذه الوعود الأربع الكبرى عمداً، وبطرق احتيالية ودون شرح أو تبرير أو اعتذار ؟ المؤكد أنهم خالفوا الوعد الأول من أجل التمكن في السلطة، والثلاثة وعود التي تليه خالفوها لغرض حراسة هذه السلطة عن طريق إرضاء الغرب ولو على حساب الشعب في معاشه، وسيادة بلده، ودينه وأخلاقه وتقاليده ،
إذا كان هذا حالهم مع وعود قطعوها وشددوا على التزامهم بها، وكانت ممكنة التحقيق، وأُختُبِر التزامهم بها، فرسبوا وفعلوا عكسها تماماً لأسباب متعلقة بتكالبهم على السلطة، فما المتوقع بخصوص الانتخابات التي كان وعدهم بها، منذ البداية، ملبداً بغيوم الشكوك والتوجسات والتسويف والمماطلة والهروب ؟
من هذا الذي يستطيع أن يقدِّم أي أمارة تدل على أنهم كانوا، ولا زالوا، أشد حرصاً على الوفاء الكامل بهذا الوعد بالذات دون سائر الوعود ؟ وهو الوعد الأكثر قابليةً للمخالفة لارتباطه لديهم بذكريات تاريخية مريرة سببها – كما اعترف خالد سلك – عدم إيمانهم الحقيقي بالديمقراطية، وغربتهم عن الشعب .. وكذلك لارتباطه بحاضر ينذر بتكرار المرارات، ربما بصورة أشد، بعد أن رأى الناس غربتهم عنهم هذه المرة بأوضح مما كان في الماضي، سواء لناحية العلمنة والتغريب، أو سيادة البلد، أو لناحية عدم الإحساس بمعاناتهم، بل مضاعفتها، وهي المعاناة التي، للمفارقة، لم تعد من بين أسباب تظاهراتهم حتى وهم في المعارضة الآن ! وبعد أن رأى الناس توجسهم من الجماهير وعداوتهم للحواضن الشعبية الكبرى في الجماعات الدينية والطرق الصوفية والإدارات الأهلية، وبعد أن سمعوا أسماء محمود محمد طه تشدد – بصريح العبارة ودون مواربة – التحذير من خطر ( ناس المساجد ) و( الجماهير ) على المؤتمر الدستوري الذي يجب، في رأيها، أن يقر العلمانية، وهو استحقاق يسبق الانتخابات ومخاوفهم بشأنه لا تختلف عن مخاوفهم بشأنها ..
إبراهيم عثمان