محمود المعتصم يكتب : السلطة ابتلعتها. لانو في مساحة داخل اي سلطة للأحتجاج. لكن ماف مساحة للسياسة
السودان
رصد : الرآية نيوز
محمود المعتصم يكتب :
أنا شهدت هنا في امريكا مظاهرات مستمرة مع احداث جورج فلويد. المظاهرات دي بدت و مدفوعة بقضية عادلة وهي العنف الزائد تجاه السود من قبل الشرطة. وعموما ما يسمى بالعنصرية الهيكلية في النظام الامريكي والهي تبعة لسياسات الهوية البيضاء كنتيجة للاصل الاستعماري العنصري للنظام الأمريكي (الهو حصل فيهو ديمقراطيا تحسن كبير جدا وتقدم لكنه ما يزال موجود).
الشيء الميز المظاهرات دي، وقبلها مظاهرات المهاجرين في ضواحي باريس، ومظاهرات لندن المعروفة،و قبلهم مظاهرات الطلبة الفرنسيين في مايو 1968، هو ظاهرة الحركة الاجتماعية “فوق السياسة”، أو “خارج السياسة”. بمعنى انو في حين انو التظاهر سياسي، إلا انو بيتم كشيء احتجاجي غاضب، وبصورة ما بكون بعبر عن حنق وطلب لحق واضح للمتظاهر نفسه بصورة كاملة، لكنه ما بيتجاوز الامر دا للعملية السياسية الاجتماعية حيث المتظاهر بكون عنده خطاب للمجتمع. وبالتالي نجاح المظاهرات نفسها بيرتبط بعزلتها عن المجتمع. فانت طوالي بتشاهد حالة وجود شبه توازي بين الحياة العادية للناس، و مساحات التظاهر. بدون تلاقي بينهم.
دا تحديدا الكانت ديسمبر نجحت كثورة بهدف و برنامج وقيادة (تجمع المهنيين ولاحقا قحت) وايديولودجيا حتى (رغم انها كانت ايديولوجيا سيئة)، نجحت في انها ما تعمله. فكانت طوال الستة شهور ما بتهدف للتظاهر فقط بل لتوجيه خطاب، بل خطابات متعددة للكل. وجر المجتمع كله لتأييدها، ودي عملية سياسية، في انضباط و التزام بقول الصحيح والمقبول في نفس الوقت، والاستماع لصوت المتردد و الرافض والمخالف إلخ ومحاورتهم. لانو الغرض ما التظاهر نفسه بل المشروع البيتم التوجه حوله والتبشير به.
طبعا المشروع دا فشل. لاسباب كتيرة. والقيادة سقطت بصورة مبالغة في السوء. ودا فتحنا على شيء خطير و هو تحول الحراك لحكاية “فوق السياسة” القلناها فوق دي. ودا مفروض يكون شيء كلنا ما نرغب فيهو.
التركيز الشديد على الالم الفردي او الجماعي لمجموعة صغيرة. و اعتباره شرط كافي للمارسة العمل العام، بخليك ما تسمع، وما تحاور، وما تفكر. وهنا ببقى التظاهر فقط هو المحدد. وفي الحالات دي فالعملية بتتغلق، واعتبار انو انت صاحب حق مطلق وبالتالي فوق عملية التفكير او السياسة بحول الاحتجاج لاعمال شغب (زي مظاهرات جورج فلويد، لندن، ضواحي باريس، مظاهرات جنوب افريقيا الأخيرة، ما بعد الانتخابات في كينيا و نيجيريا إلخ)، و بينما انا ما عندي نقد جذري للعنف عموما، ماف مشكلة جوهرية في العنف او الشغب الخ، زي ما ماف مشكلة جوهرية في الحرب، لكن بفتكر انو سد الافق السياسي ثم اللجوء للعنف كنوع من العزلة عن المجتمع هو حالة ضعف. فبالتالي اعمال الشغب في المظاهرات دي حالة ضعف.
نتائج المظاهرات الانا قلتها فوق دي كلها كانت انو السلطة ابتلعتها. لانو في مساحة داخل اي سلطة للأحتجاج. لكن ماف مساحة للسياسة. وعبر المظاهرات دي تحديدا السلطة كسبت مناطق بين بقية المجتمع. لانو السلطة بتخاطب المجتمع الاتوقف الفاعل عن مخاطبته. فبتلقى انو في انتخابات نيويورك الاخيرة فاز مرشح محافظ نسبيا مؤيد لتقوية اجهزة الشرطة (و دا عكس الكانت طالبت بيهو الاحتجاجات). لانو المجتمع ما لقى نفسه في خطاب الاحتجاجات دي.
اليسار السوداني بناشطيه ومؤسساته الكتيرة (الما معروف ممولة كيف و علاقاتها شنو مع النظام العولمي النحن فيهو دا) من فترة اتبع استراتيجية غلق الفضاء العام امام الحوار وتحويل الناس لحالة مع/ضد. بدون مساحة لدقائق الامور. فما بتلقى في داخله في مساحة للحوار العام (كنت تعاملت مع الظاهرة دي في سعيي مرة لتنظيم حوارات حول الدستور، ولقيت انو ماف مساحة مقبولة داخل اليسار لسماع فكرة الدستور الاسلامي مثلا، مش قبولها، سماعها، بينما في المجتمع الحوار مثلا حول مناهج القاي كان حامي و كثيف، لكن النقاش دا ما مقبول داخل المنصات اليسارية. دا كمثال بس) و اليسار دا هو عقل الفاعل في الشارع في المدن حاليا. والعقل دا ما بنفع لانو أخلاقوي ما سياسي. (أخلاقوي ما أخلاقي، ماف شيء اخلاقي في رفض حق الاخر في الاختلاف). والعقل دا لابد نتركه. ونفهم انو مجرد كونك شايف روحك على حق ما بيعني انك بتنجح. محتاج تمارس السياسة وتستهدف بمشروعك كل المجتمع. وتفهم انو في ناس غيرك في الخارج. و إذا انت ما وصلتهم السلطة بتصلهم.
هل دا كره للشباب المقدام البيضحي يوميا؟ مجرد احتياجنا لطرح السؤال دا بوري الانغلاق الأدخلنا فيهو اصحاب العقول الصغيرة. والارواح الشحيحة. والمبدئيين الكذبة.