الخرطوم : الراية نيوز
دكتور ياسر أبّشر يكتب :
ياسر عرمان: أيقونة انحطاط السياسة السودانية (2)
في 11 يونيو 1985 شَنّ جيش قرنق هجوماً دموياً غادراً على قرية القردود الوادعة في جنوب كردفان، وقتلوا 150 من المواطنين العُزل ونهبوا ماشيتهم وحرقوا منازلهم وانتهكوا حرمة المسجد ودنسوه فبالوا فيه وقضى بعضهم حاجتهم فيه ونظفوا قذارتهم بورق المصاحف.
وقتها كان ياسر عرمان طالباً بجامعة القاهرة الفرع. يقول الراوي – الذي لا يرغب في أن أُفصح عن اسمه – إنه لم يَرَ سودانياً يرقص طرباً لتلك المأساة المروعة سوى ياسر عرمان. وبعدها انضم لحركة قرنق (١٩٨٦) التي كان يراها السبيل الوحيد “لسيطرة المهمشين” على #السودان وتحريره من هيمنة #الثقافة_العربية الإسلامية ومُمثليها من الجلابة.
لم يحدث مَر السنين أثراً على حب المناضل عرمان لقرنق فقد كتب في 5 اكتوبر 2019 بالحرف ما نَصّه:
“ولحسن حظي لم يفتني ذلك الموسم.
كان جيلنا على موعد مع الدكتور جون قرنق دي مابيور وحبه الذي لا ينقضي”
وعن اختياره لأن ينضم لحركة التمرد قال:
لن أصحح تلك الخيارات الآنفة الذكر ولو عاد جون قرنق مرة اخرى للحياة لما تورعت ان أخذ مقعدي في نفس الرحلة معه وتظل الحياة معركة عظيمة.
وهكذا ظلت نار الحقد والكراهية والعنف مُتّقدة في قلبه، ضد قومه، لم تطفئها تجارب السنين إلى يوم الناس هذا. وهو يتفاخر أنه ظل يناضل أربعين عاماً، وما درى هذا المسكين أن نيران الكراهية التي تستعر وتأكل قلبه أربعين عاماً أسلمته للتِيه Wilderness.
وتواصل عداؤه للجيش الذي قاتله قرابة أربعة عقود إلى يومنا هذا، فهو من غلاة المنادين “بإعادة هيكلة الجيش وإصلاحه”، وما عبارات إعادة الهيكلة والإصلاح إلّا غلالة نفاق، إذ ما يراد بالفعل هو حله وتشكيل جيش جديد بمواصفات ڤولكر والسفارات التي لا تفتر من ترديد هذا. وفي آخر تصريح له قال عرمان إنه:
“يعتبر الدعم السريع قوة لبناء الجيش الوطني” أي أن الجيش الذي نعرفه ليس جيشاً وطنياً!!! يزيد من تقربه لدقلو بمثل هذه التصريحات.
وتفيد معلوماتي أن عرمان يقول للرفاق إنه ما لم نبذر بذور الفتنة بين الجيش والدعم السريع فلن نستطيع أن نقضي على الجيش الذي يشكل حجر عثرة في سبيل مشروعنا لبناء “السودان الجديد”. عرمان يقول عن الجيش إنه جيش عنصري، ويصفه بأنه جيش الكيزان هذا رغم أن عمر الجيش يفوق عمر ظهور “الكوزنة” في السودان!!! لكنه الغرض والمرض. والمخيف في ترويج مثل هذه الأباطيل أنها تستهدف المؤسسة الأهم، والركيزة الوحيدة التي ظلت متماسكة في بلد تحتوشه المشكلات التي يصنعها عرمان ورفاقه من عملاء السفارات.
وهكذا تقرّب لدقلو إخوان – مستغلاً إياهما – حتى أصبح أهم مستشاريهم الآن. ونظراً لما تعرض له دقلو إخوان من سب وشتم فقد أصبح همهما الأول الأمان والاطمئنان على المستقبل. وظل عرمان يستغل نقطة الضعف فيهما، يخوفهما من كل هبة ريح ويبذل لهما التعاطف متظاهراً بالشفقة والخوف عليهما، كما عمل على استغلال كل سانحة لتتسع الشقة بين حميدتي والبرهان.
أما حزب الأمة فقد سلمته مريم وأخواتها وصديق لقمةً سائغة لعلمانيين شيوعيين كارهين للدين، يقودهم عرمان والحاج ورّاق، والأنصار ينظرون، وهذا ما لا يرضاه ابن أنصار مثلي.
بعد قرارات 25 أكتوبر، بعث البرهان بياسر العطا ليلتقي بعناصر قحت المعتقلة وقتها، وكان البرهان يريد أن يمضي قُدماً فيبرم صفقةً معهم، ولكن كثيراً من ضباط الجيش أبدوا تبرمهم من لقاء القحاتة الذين يتآمرون على الجيش، فضرب صفحاً عما كانت قد انتواه. لم يستشر البرهان حميدتي حول تلك الواقعة، ولم يفوت عرمان تلك السانحة فيما بعد فعمد لتحريض حميدتي وإيغار صدره تجاه البرهان قائلاً له: إن البرهان يبرم الكثير من وراء ظهره. فغضب حميدتي وازدادت هواجسه إزاء البرهان والجيش.
أما جبهة نضال عرمان الأخرى فهي تحريض حميدتي ضد الإسلاميين. ويكفي لديه أن يجد تغريدة منسوبة لفرد إسلامي ليوغر صدر حميدتي أن تلك التغريدة تمثل الخط الرسمي للإسلاميين ضده، وحقق عرمان بعض مبتغاه من حميدتي في هذا الصدد.
ولأن عرمان لا يفتر من إشاعة الفُرقة في أي مجموعة يدخلها فهو على خلاف هذه الأيام مع قحت. فقد أسرَّ أحد قيادييها لصديقٍ لنا، بأن القحاتة حَجّموا عرمان وطلبوا منه ألا يتحدث باسمهم، فقد اكتشفوا أنه يعمل على خلق شلليات بينهم، وأصبح المقربون منه خالد (الشهير بسلك) وجعفر حسن الذي جَرّأه على التفاخر بالوقوف على أبواب السفارات (سفارة سفارة) يشتكي لها ويبتغي لديها الوسيلة!!!
أصبحت كلما أتذكر أن العلامة العقاد وصف الشيوعية بأنها (مذهب ذوي العاهات) ينصرف ذهني لعرمان. فالذي يرقص على جثث الموتى الأبرياء في القردود، ولا يني يشيع الفُرقة ويعشق الشتات في كل جماعة يدخلها، ويحرض على العنف الذي كان ممارسة يومية له في حروبه التي لا تنتهي، ويروج لأسطورة الهامش، ولا يندم أن يذهب الألوف ضحايا لتلك الأسطورة المضلِلة. لا شك أن الذي يفعل كل هذه الأشياء مأزوم نفسياً وسايكوباثي Psychopathic.
ثمة خلل أصابنا نحن إذ لم نرسم الخطوط الحمراء فقبلنا واستمعنا لمن يخون ويتآمر على الوطن. وحتى قادة الرأي والفكر أخفقوا حين لم يضعوا خطوطاً بين اختلافات الرأي المشروعة وبين من يحرض ضد جيشنا ووطننا.
في ستينيات القرن الماضي نشب صراع ديني في أيرلندا الشمالية بين الكاثوليك وهم أكثرية السكان والأقلية البروتستانتية الذين تدعمهم بريطانيا. والكاثوليك في أيرلندا الشمالية يرون ضم بريطانيا الانجليكانية لبلادهم استعماراً فقاتلوها مطالبين بالانضمام لجمهورية أيرلندا الكاثوليكية مثلهم.
وكان من بين نتائج ذلك الصراع الديني أن قتل الجيش الجمهوري الأيرلندي اللورد مونتباتن في 1979 وهو يمت بصلة قرابة للملكة اليزابيث. وفي عام 1998 وقع الطرفان اتفاقية سلام عرفت باتفاقية الجمعة العظيمة.
ولكن ورغم اتفاقية السلام رفضت الملكة مقابلة قادت الشين فين (الذي كان يقوده جيري آدمز) وهو الجناح السياسي الذي يرعى الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي قتل لورد مونتباتن قريبها. وبهذا ارسلت لهم الملكة رسالة مفادها: “حِرِبنا في مَحَلّو”!!!
أما نحن فلا نأنَف أن نتيح المنابر لعرمان وهو ورفاقه قتلوا الألوف ولا زالوا يتآمرون.
قادة حركات دارفور قتلة أيضاً، ولكن عرمان أدين حتى بواسطة المحكمة العليا، وحكم عليه بالإعدام، وها هو يجوس خلال الديار يبذر الفتن ويسعى بالوقيعة بين الجيش والدعم السريع ويحرض السفارات.
دكتور ياسر أبّشر
———————————-
12 سبتمبر 2022