يحي محمد عثمان يكتب : الحروب والحقائق الكامنة
السودان
الخرطوم : الراية نيوز
يحي محمد عثمان يكتب :
الحروب والحقائق الكامنة
الحرب المستعرة أوارها في الجغرافيا الشرقية من القارة العجوز والتراب المثار حولها بكثافة ما بين وطئة أقدام على الارض وقعقعة للسلاح تحجب الرؤى وتصم الاذان عن الحقائق المجردة للحرب والاجابة على سؤال لماذا هذه الحرب ؟ والتي بالضرورة تقودنا إلى حصاد الهشيم من الخسائر في الارواح والممتلكات العامة حصاد للدولة باكملها شعوب وجغرافيا وثروات ، يحدثنا مونتجمري جنرال بريطانيا العتيدة عن الحرب بقوله : أن الناس عادة لايفهمون الحرب – يظنون أن الحرب هي ما يرونه على ظاهر الاحداث في ميادين القتال وممارسة العنف عند الحد الاقصى منه وصدام بالنيران الكثيفة تتدفق منه دماء غزيرة وهذه ليست القضية .
هذه الاستفهامات المشرعة من قبل العامة لا تتشارك مع حسابات النخبة والنفوذ والاوصال المعقدة من شبكات المصالخ والاقتصاد والمال والسيطرة والتحكم في مقادير الاخر، وهي حسابات تنظر لنا نحن العامة بعين الازدراء والشفقة وتحمل همسا خافتا يصفنا بالسذاجة والجهل بمعادلات الواقع الممسكة بأعناقنا اليوم ، فالنخبة لا تنظر غلا إلى معدلات الصعود والهبوط في مؤشرات البورصة العالمية ومؤشرات الربح والخسائر في مراكز المال ولا تشغل بالها إلا بمقدار ما يسير محركات المصانع و يضمن ضخ انابيب البترول والغاز و إمتلاء الحسابات بالاموال جراء إقتطاع جغرافيا جديدة والسيطرة على الموارد والثروات فيها لا مبالة تذكر بعدد الضحايا والارامل والايتام والقتلى والخسائر المنثورة على قارعة الطريق . الحرب العالمية الاولى في العام 1914 بدأت بحادثة إغتيال لولي عهد النمسا وخلصت في خواتيمها إلى إعلان نظام عالمي جديد أبتدرت خطاه بمعاهدة فرساي في العام 2018 والتي تمخضت عن إنشاء لعصبة الامم ثم ما لبثت أن أتت لنا بوعد بلفور القاضي باعلان فلسطين وطنا قوميا خالصا لليهود ، وتتويج نتائج الحرب بتقسيم تركة الرجل المريض – الخلافة العثمانية – في مشرطة سايكس بيكو لترسم لنا الحدود والجغرافيا القائمة الان . الحرب العالمية الثانية لم تذهب كثيرا عن مرفأ نتائج الحرب الاولى وواقعها المفروض بسلطان القوة والثروة فطفت الولايات المتحدة الاميكية على سطح الاحداث كقوة عظمى مهيمنة مؤسسة لنظام عالمي قائم على ثنائية القطبية وإتباعه بمشروع هيمنة إقتصادي في بريتون وودز منشئة من خلاله للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي كأداة ضامنة لاستمرار الهيمنة والنفوذ بأوجه ناعمة .
الحرب الضاجة في اوروبا مشابهة لسابقاتها من أن المعلن من أسباب لا تتصل بالضرورة مع ما يستتر من رغائب كامنة للدول المتنافسة فحسابات النفط والغاز والاوردة الواصلة به إلى أوروبا وسعي لاقتطاع حصص أكبر في السوق الاضخم في العالم مع ما يوازي ذلك من ضمان للتمدد والتمكن لشركات كبرى عابرة للقارات تسعى لايجاد موطئ قدم مع ما يتبع ذلك من بروز معادلات جديدة قابضة في الساحة الدولية ، فقطعا لا يستند الدعم الامريكي المفتوح بالمال والسلاح والمعلومات وتسخير الدول لاحتواء روسيا في المعركة على اسس اخلاقية متصلة بقناعتها عن الحرية وسيادة الدول في اتخاذ قراراتها فهي أبعد ما يكون عن ذلك ، بل سعي حثيث لدرء أي محاولة لاعادة صياغة نظام عالمي جديد تتعدد فيه الاقطاب ومراكزالقوة في العالم معبرةعن كيانات ثقافية متسعة جغرافيا وديموغرافيا لا ترضى أن تكون أسيرة لأغلال أحادية القطب ونظامه العالمي الظالم ، الحرب المشتعلة ستعيد فتح الباب واسعا امام النقاش حول بعض النظريات الحاكمة للعلاقات الدولية والتي تجد صدى في الاوساط الليبرالية مثل نظرية السلام الديموقراطي والتي تشعر في لحظة اولى انها تقوم على نثر الاشلاء وهدر الدماء بشرعنتها لما يعرف بالحرب العادلة كمبدأ أخلاقي تنادي به الديموقراطيات لإقامتها لإنشاء ما يعرف بال ZONE PEACE وهي تفترض ان السلام يعم في حالة تمدد الانظمة الديموقراطية بافتراض أن الانظمة السياسية التي تتشكل تحت مظلتها لا تدخل في حرب مع بعضها البعض وبالتالي تكون إحدى ذرائع إشعال الحروب هي إقامة الديموقراطية والانتماء الى ما ينادى بالعالم الحر وهذا ما قد جاء على لسان الرئيس الاوكراني زيلينسكي وهو يدافع عن هوجائية استفزازه لروسيا والدخول معها في اتون حرب كارثية اهلكت حرث كييف ونسلها .