الدوس : تمثيلٌ بجثة أم ذبحٌ لحي ؟

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

الدوس : تمثيلٌ بجثة أم ذبحٌ لحي ؟

من الواضح أن خليطاً غير منسجم من الاعتقادات هو الذي جعل قحت ترفض عرض المعارضة المساندة، وتعتمد الدوس الشديد كطريقة وحيدة للتعامل مع المؤتمر الوطني, وتخطط لمضاعفة الدوس في الفترة الانتقالية الثانية ..
▪️ تعتقد قحت ، مع ياسر عرمان، بأن المؤتمر الوطني (زمانو فات وغنايو مات)، ومع كمال عمر بأن علامات الحياة التي يظهرها إنما هي ( فرفرة مذبوح)، وبالتالي يمكنهم “التمثيل بجثته” بلا خوف من أي رد فعل، على أن يحمل الدستور تفاصيل عمليات التمثيل : ( نحن بالوثيقة الدستورية ما خلينا حاجة، ما خلينا مستقبل ) للمؤتمر الوطني !
▪️ وتعتقد، مع شريك الإنقاذ السابق الجميل الفاضل، بأنه ( حزب حي لكنه يمارس لعبة التماوت) ، ومع عرمان، مرة أخرى، بأنه حزب حي كبير فاعل إلى درجة أنه ( على وشك السيطرة على الدولة)، ولهذا لا بد من تعريض جسده الحي إلى الدوس الدولي والإقليمي الشديد !
▪️ لا يمكن تفسير الجمع بين الاعتقاد بقوة المؤتمر الوطني إلى درجة قدرته على العودة إلى الواجهة والسيطرة على الدولة، والاعتقاد بموته إلى الدرجة التي تسمح بالتمثيل بجثته دون رد فعل، إلا بخليط من الكذب والتضليل وخداع الذات وسوء التقدير .

▪️ إذا كان الاعتقاد النهائي لقحت فيما يخص المؤتمر الوطني هو أنه حزب كبير قادر على السيطرة على الحكم، وأنه إذا ضبط ردود أفعاله على الدوس (ففوق رأي) تزعم قحت بأنه ذو صلة بعلاقة خفية مع المكون العسكري، ويقول هو إنه – أي لرأي – ذو صلة بقوته على الأرض بين الجماهير، وبتعويله على الانتخابات، وبثقته في القضاء السوداني وعدالته المختلفة عن عدالة الدوس، فإن هذا الاعتقاد النهائي عند قحت، سيجعل رفضها للمعارضة المساندة، وتفضيلها للدوس والمواجهة الصفرية، عملاً يكشف عن عدم قدرتها على وزن المعادلات الحرجة بسبب صغر عقلها الناتج من صغر حجمها .

▪️هناك ما يشير إلى أن قحت تعول على وجود كوابح من ثوابت المؤتمر الوطني ومبادئه ستسمح بتمرير الدوس بلا ردود فعل تُذكَر !
▪️ أول هذه الكوابح ينتج من اعتقاد قار في العقل القحتي الباطن بأن المؤتمر الوطني “عدو” عاقل مبدئي ومسؤول يقدر المصلحة العليا للبلاد إلى الدرجة التي تجبره على ضبط ردود أفعاله بما يجنب البلاد المواجهات الصفرية الضارة بالمصالح العليا، وأن ذلك ظهر بشكل واضح عند انتزاع السلطة منه، الأمر الذي يمكنها من ذبحه بهذا التعقل وهذه المبدئية !
▪️ الكابح الآخر يتمثل في تاريخ المؤتمر الوطني في احترام ومساندة القوات المسلحة، منذ ما قبل وصوله إلى السلطة، وهو الكابح الذي قد تعتقد قحت أنه سيجعل ردود فعله أقل من المتوقع إذا كان المكون العسكري طرفاً في الدوس، ولهذا كانت حريصة على رئاسة عسكري للجنة التمكين . ولهذا انتقلت بسهولة من ( لا تفاوض مع العسكر ) إلى الموقف الحالي والذي يمكن تلخيصه في ( لن نتفاوض إلا مع العساكر ) ! ظناً منها أنها ستتمكن من العودة إلى السلطة بحماية عسكرية، ومساندة على الدوس، ستمكنها – هذه المرة – من الإجهاز عليه تماماً بتوظيف هذا الاحترام للقوات المسلحة !
▪️ الكابح الثالث يتمثل في عدم وجود علاقة تبعية للمؤتمر الوطني بأطراف خارجية يمكن أن تشعر بأن عميلها الداخلي في خطر وبالتالي تتدخل لمنع دوسه، أو لفرض عقوبات على البلد، وهي نظن أنها ستذبحه بثابته الوطني الذي منعه طوال ثلاثين عاماً من الاقتداء بها وتطوير عمالة تحمي ظهره وقت الضيق ! بل وتظن إن الدوس الرئيسي يجب أن يأتي من الاستثمار في وطنيته بتحريش المتدخلين في الشأن السوداني وزيادة مخاوفهم عبر إيهامهم بأن عدو التدخلات الخارجية يقترب من السلطة !

▪️ الفترة السابقة أثبتت أن المؤتمر الوطني يتمتع، إلى حد معقول، بالقدرة على وزن المعادلات، والتمسك بثوابته ومبادئه وعرقلة مشروع تحويلها إلى حبل لشنقه، فهو قد استطاع الموازنة بين مواجهة دوسه وتجنب المواجهة الصفرية الضارة .
▪️وإذا كانت الواقعية والمسؤولية والمرونة والقدرة على وزن المعادلات قد جعلت المؤتمر الوطني يعرض على خصومه التاريخيين المشاركة في حكمه، ثم يعرض، المعارضة المساندة بعد أن آل الحكم إلبهم، فإنه سيزيد عن ذلك في التعامل مع الأجهزة النظامية التي ليس له تاريخ عداء متبادل معها، وهو يجيد ضبط ردود أفعاله بما لا يتجاوز الأشخاص إلى المؤسسات، ولا يمنع استمرار المساندة في المهام الوطنية، ولا يتحول إلى عداوة واستهداف وتحريض للداخل والخارج كما تفعل قحت ..
▪️أما التبعية للخارج فقد ظل المؤتمر الوطني يرفضها وهو في الحكم، وكان بإمكانه تجاوز الكثير من المصاعب لو ترخَّص وتحايل ووقع فيها، واستمر في رفضها وهو في المعارضة وتتكاثر عليه السهام، فلا يجرؤ الذين يرمونه بكل شائنة على اتهامه بالطواف على السفارات .

هذا الخليط غير المنسجم من الاعتقادات القحتية يصعب أن تنتج عنه خطة محكمة تؤدي إلى إضعاف المؤتمر الوطني إضعافاً حقيقياً دائماً لا قوة بعده، فدوس الحي القوي الفاعل يختلف عن التمثيل بالجثة، وأي سوء تقدير لا يفرق بين الإثنين سوف تكون نتائجه عكسية .

إبراهيم عثمان

اترك رد