محمد طلب يكتب : (يللا نغني) الحل في البل
السودان
عنواني ليست دعوة للتغني والطرب ولا اظنها دعوة( للبل) الذي تعبنا من ترديده (فلا بلينا ولا اتبلينا) بقدر ما ابتُلينا (بامر خطبه عجب) ونحن داخل وطننا نعاني معاناة الشاعر والضابط المصري الرفيع والمناضل المنفي لجزيرة سرنديب محمود سامي البارودي بعد ان شغل منصب رئيس الوزراء بمصر حين قال اعيش في غربة لا النفس راضية بها ولا الملتقي من شيعتي كثب
ونحن في بلادنا التي لارئيس وزراء لها نعاني الغربة في كل شئ حتي في مشاهداتنا لما اسمته مجمعات اللغة العربية (بالمرئي) في محاولاتها للحاق بالاكتشافات الجديدة…
الغربة اعانيها بشدة و انا اشاهد التلفزيون السوداني الرسمي او قنواته الخاصة والمدعومة ممن يدعمونها فقد سمعنا قصة ملايين الدولارات لقناة ما في المحكمة وما دار حولها من جدل
في هذه المرة تعمدت مشاهدة حلقة اخري من برنامج (يللا نغني) و
هيأت نفسي للاستمتاع بحلقة جيدة الاعداد وانا استمع للمذيعة ( الجميلة)و (تائهةالخصل)و (الشعر الضفائر) و (التوب الانيق) بالمناسبة يا (تريزا) دي كلها اقتباسات من اغاني سودانية…..وهي تقدم لحلقة عن (الدلال) لكن ماتم تقديمه من اغنيات هو ما وردت به مفردة( الدلال) دون النظر المعاني المقصودة وقد لحظ ذلك الفنان عاصم البنا وعلق عليه واضاف مفردات اخري تقود لمعاني الدلال اوالدلع والعجن وربما فات عليهم ايضا ان (الدلال) في دارجيتنا تعني ايضاً (كحل العيون) وقلم (الدلال) لايفارق شنط الحسناوات في هذا الزمان الي ان تحول الامر الي (رموش سوداء بقروش حمراء في السوق مفروش بالنداء) ولا تحتاج الرموش الاصلية (سواداً) اكثر مما نحن عليه و لكن ربما تحتاج ظلال والوان لاترتبط بالعيون وربما لها علاقة (بالتوب او البرطوش او قل ربما الطربوش) بينما كان الكحل (حجراً) ومروده (نحاساً) وغير قابل للتنقل عبر وسائط الشنط ومعلوم الزمان والمكان و ممنوعاً حسب العرف الا للمتزوجات وما احوجنا للحجر والنحاس وروح الحماس هذه الايام
نعود للحلقة التي احتوت علي ست اغنيات منها اغنيتين جديدتين احداهما تُغني للمرة الاولي.. فسألت نفسي هل نضب معين مكتبة الاغنيات السودانية عن المفردات والمعاني حتي نزحم البرنامج ومساحته الضيقة (باغنيتين) يفترض الا يكون لهم مجال في مضمون البرنامج او عنوان الحلقة ولكن يبدو ان ذاكرة هذه الاجيال لاتتسع الا لما قدموه حتي خشيت لو كان هناك مجال لاغنية اخري ان تكون (المدلل دا تاني وين نلقي)
قدموا لنا اغنتين من الحقيبة
فكان نصيب ود الرضي
نَسَايِمْ اللَّيلَ كَلِّمِى
للبِرِيدْ رُوحُو سَلِّمِى
العَصُرْ عَصْرِكْ أَجْرُمِى* *جُودِى وإِنْ شِئْتِى أَحْرِمِى
قَلْبِى أَنَا العِنْدَكُمْ رُمِى* *أَصْلُو مَا نَافِعْ أَفْرُمِى
وقد كان اختياراً موفقاً رغم ظني انه تم اختيارها لورود مفردة الدلال في :
(والعيون طابعا الدلال)
ومن ضمن الاغنيات التي تم اختيارها ايضاً اغنية من كلمات عبد الرحمن الريح الذي احسب انهم لم (يفلفلوا) انتاجه في (الدلال) كما سنعرف لاحقاً فكانت لعوض الجاك
ﻳﺎﺟﻤﻴﻞ ﻳﺎ ﻣﺪﻟﻞ
ﻗﻮﻟﻲ ﻟﻴﻪ ﺑﺲ
ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻐﺮﺍﻡ ﻗﺪ ﺣﻠﻞ
ﻋﺬﺍﺑﻲ ﻳﺪﻭﻡ
ﻳﺎﺟﻤﻴﻞ ﻳﺎ ﻣﺪﻟﻞ
ﻛﻞ ﻣﺎ ﺍﻃﺮﺍﻙ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮﻉ ﺍﺗﺒﻠﻞ
ﺟﺴﻤﻲ ﺻﺎﺭ ﻣﻨﺤﻮﻝ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﻳﺘﻘﻠﻞ
وكانت اغنية سيد عبد العزيز الجميلة ايضاً من ضمن المختارات:
الفي دلالو ماأعظم جلالو
إستحل هلاكي ولي حرم حلالو
الهلال الشغل الناس هِلالو
الظلام حين شاف محيه أتجلالو
ورغم جمال هذه المختارات التي مثلت نصف زمن الحلقة الا انها كلها كانت من اغنيات الحقيبة وتمثل فقط تلك الفترة من تاريخ الاغنيات السودانية فقد كنت امني نفسي بتطواف جميل يمتد لاكثر من حلقة عن معاني الدلال و مفرداته في الاغنية السودانية ونسبة لضيق المساحة سوف اورد لكم مثالين لذلك لشاعرين فقط حوت اغانيهم المعني دون المفردة وايضا ماوردت به المفردة حاملة المعاني واعذروني لاني غير متخصص ولا (ديكشنري) في المجال فتعالوا معي لعبد الرحمن الريح وهو يقول
هو غصن الرياض الزاهي في واديهو
أزهار الربيع مازج زهور خديهو
وجدلات الحرير ما لينة زي إيديهو
والدو معجنو على فطرتو مربيهو
هو الفرد الوحيد في الدنيا ما في شبيهو
يتجاهل علي وأنا حالي ما غابيهو
سالبني في نار هواه شال قلبي يلعب بيهو
وهل هناك (دلال) وعجن اكثر (من والدو معجنو وعلي فطرتو مربيهو) ام انهم يحسبون ذلك من (المعجنات) التي تنتمي ل(سيقا) وهل هناك دلال في قمة معناه اكثر من (يتجاهل علي وانا حالي ما غابيهو)
وان اردتم ورود مفردة دلال في النص فهاكم لذات الشاعر
اصلك بتدلل علي
واللا الحكاية معاندة
في اغنيته الشهيرة التي امتعنا بها عبد العزيز المبارك
(انا بيك سعادتي مؤكدة و بلاك حياتي منكدة
ياجميل ما بصح ليك تعمل كده)
وهاكم مثال اخر بذات النهج للشاعر ود القرشي مع الفنان الجميل عثمان الشفيع وقد جمعت بينهما ثنائية امتدت ورفدت الاغنية بكثير من الجمال فتغوا
كيف الطريقة البيها يتم وصالي
وقالو لي ده الملهم في نفسو عالي
وفارض علينا هواهو وهو سالي
ده المستحيل ينزل من العلالي
ده الموحي للشعراء الدرر الغوالي
عشقتو من نظرة هو قلبو خالي
كيف الطريقة البيها يتم وصالي
والشفيع وجيله يمثل فترة غير الحقيبة وبعدها
ورغم ان النص لم يحتو علي مفردة (الدلال) الا ان معانيها تنساب داخل النص بصورة رائعة… وان اردتم المفردة فستجدونها في اغنية اخري لذات الثنائي
لا تهابي جمالو
ولا الدلال البيهو
او نص جميل اخر لهما
وما أسماها رسمة
تفرح للحزانا تحمل لي غنانا ترمز عن كتير
تامل فيه مره وشوف( دل) العذارى
تلقى الصوره تحلف يوسف بي اطاره
والسؤال لمعد البرنامج والمذيعة الجميلة تريزا ( انتو دل دي فاكرنها صوت بمبان واللا شنو)
وحتي لانكون قد مارسنا قسوة علي البرنامج ب (البل)
(يللا نغني) ونفهم بشكل مختلف ونبحث عن المعاني في الاغاني ونغني( تعال لي يا البلال) ونبحث عن معاني (البلال) وهل كنا علي حق في قولنا (الحل في البل) ام ان البل جلبلنا (النجاسة) فانتظرونا في المقال القادم
يللا نغني الحل في البل (2)
كما وعدتك عزيزي القارئ بعيدا عن(يللا نغني) وموضوعها السابق( الدلال) والذي ذكرني باصطلاح كثيف الاستخدام في الاغاني الشعبية واغاني البنات والحماس علي وجه الخصوص وهو (البلال) وكما تلاحظ( حرف واحد بيفرق) ودعوني ادلف للموضوع الذي لايخلو من بعض السخرية (الكويسة) و ابدأ بالمغنية التي نسبت (البلال) لنفسها بياء النسب ( فدقت دلوكتها) وغنت :-
تعال لي يا البلال
تعال لي يالحنان
تعال لي وتعال
و(ملف) البلال و(البل) يحتاج للبحث والتنقيب الا انني اظن هتاف ( الحل في البل) لم يجد طريقه للتنفيذ حتي نعرف ما هو( البل) ومن هو( البلال) الذي جعلنا نغني علي انغام الدليب
البلال بلال يا بلالي انا
دخري الحوبة سار يا بلالي انا
ياتري هل( سار) فعلاً و(دخل) ام انه يحتاج (لمسيرة) جديدة( بإطار) مختلف
يا تري من هو البلال؟؟؟
و ماذا( بل) وكيف كان( البل) حتي اصبح بلالاً؟؟؟ وما هو موقفنا من المبلول غنائياً او سياسياً او اجتماعياً اما *(الحل في البل) فهي جملة (اسمية) وليس (فعلية) توضح من هو الفاعل ومن هو المبلول عفواً اقصد المفعول او المفعول لاجله ؟؟؟
لكنها تؤكد بشكل جازم انه هو( الحل) والي اليوم لم نر بالاً ولا مبلولاً ولا حلاً ولا محلولاً
اسم( بلال) النكرة او (البلال) المعرف بالف واللام منتشر عندنا بكثرة حمله اعلام في المجتمع و لكن للامانة لا اعرف مدلولاته وللحقيقة في وقتما سميت احد ابنائي عندما كان صغيراً ساخراً ( البلال) لانه لم يترك شئياً الا و(بلااااهو) بلاً (مبااااالغة)
كما لاشك اننا نترنم كثيرا ونطرب لكل اغنية (بلالية)
و اصطلاح (البلال) لاشك كناية عن شئ جيد ومطلوب ومحبذ (لا اعلمه) حقاً ولكن
اصطلاح (البلال ) غالبا يرتبط بنداء او استغاثة او فرحة (انثوية ) وكما لدينا (بلال) واحتراماً لحقوق المرأة والمساواة فهناك ايضاً (بلالة) حتي لاينفرد الرجال بالبل رغم قولهن اي(البلالات)
بلال تزورني مرة
انا يا بلال زورني مرة
فما قولكم في (البلال) او حتي (البلالة) ؟؟؟؟
وتحضرني هنا طرفة …. عندما كنت صغيراً وفي احد المناسبات سمعت مجموعة من البنات يغنين
هل لي هلال وظهر و(بان لي) الليلة
كنت اسمع الاغنية وافسر ما بين القوسين علي حسب انتفاخ المثانة عندي نتيجة لكمية البيبسي التي شربتها في ذاك اليوم
عموماً تعالوا معي الي مدخل اخر ربما اجد ما يشفي غليلي او حتي لا نكون مثل (يللا نغني) وبس نغني ساااي…..
بلالي بلالي بلالي يا السادة وا ناري
بلالي و الزول شبيه الصيد
بلالي السادة يا ابوحميد
رغم انو (السادة يا ابوحميد) دي عجبتني شديد) الا انني اقف مكتوف الايدي امام تقاطعات العامية السودانية مع العربية الفصيحة
والغريب في الامر ان هذه الاشياء لم تجد الانتباه من العامة ولا البحث المطلوب من الخاصة او ناس( يللا نغني)
نعود (لبلالي ) رغم انها كثيفة في الغناء الشعبي الا اننا نقف مشدوهين اذا سُئلنا عن المعني وما المقصود ونحن نردد:-
(تعال لي يالبلال وتعال لي يا الحنان )
(كدي سيبنا من البلال) بالرغم من ان اسم (بلال ) موجود عندنا بكثرة وخلينا في (السادة ) فالفصيح منها جمع (سيد)والسيد من يسود في قومه اما (السادة ) في الدارجة و الاغاني فهو ما لا يخالطه (شلخ) وتسود طبيعة بشرته ولونها وملمسها وهو تقاطع للمعني العربي الفصيح وهي في اغنية البنات اعلاه تعادل الغزل الصريح للجاغريو في محبوبته (السادة) قائلاِ
ياالساده المينــــــــــــــي* *بالريده كلمينــــــــــــــي
ياالساده بكل صــــــراح* *من نظرتك انا عقلي الراح
فيك بعشق الانشـــــراح* *شفي قلبي بعد الجــــــراح
وهذا يعني ان( السادة) من الرجال او النساء تم ترجيحه في وقتما علي( المشلخين والمشلخات) مما يعني ان الاغنية السودانية كان لها دور في محاربة (الشلوخ) بعد ان كانت لها (السيادة) اي للشلوخ و لوقت طويل يشبه (السيادة) التي عليها نحن الان
اما (السادة) فنجدها ايضاً في (الشاي السادة) و هو ما لم يخالط الماء فيه غير الشاي الحب
اردت الاشارة الي ان الفصيح من اللغة في المبني او المعني يمر علينا دون ان ننتبه اليه و(نغني ساااي) واليكم هذه النكتة
يقال ان سيدة سالت احدهم وهي تريد اللحاق (بالبنطون ) علي الشاطئ قائلة (يا ولدي البنطون بالفا) فرد عليها ساخرا (يا حاجة بنطون بالباء ما بالفاء)
ولكن المتأمل لقول الله تعالي {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ}
وهو نفس المعني المستخدم في عاميتنا السودانية ونفس المعني الذي ارادته تلك السيدة
باختصار هناك معانٍ فصيحة اصيلة وقرانية نسخر منها وهناك الفاظ تقابلنا بشكل يومي نرددها ولا ندري معانيها وربما نستخدمها اصطلاحا
وموضوع اللغة موضوع كبير ليس لي به علم يكفي ولكن دعونا نبحث……… وقبل هذا كله ابحثوا عن (بلالي يعني شنو) ؟؟؟
والي ذلك الحين دعونا مع
السادة الفي الاطاري
و يا السادة وااا ناري
سلام
محمد طلب