إبراهيم عثمان يكتب : تنازلات علمانية ( ٢- ٢ )

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

تنازلات علمانية ( ٢- ٢ )

موقف العلمانيين من قضية حقوق المرأة ينطبق عليه تماماً ما قلناه في الجزء الأول من المقال، أي تنازلهم عن بعض مطالبهم عندما يتعلق الأمر بمخالفات شرعية يجتهدون لإخراجها من دائرة الحرام، لأن هذا الأخير مطلب أشمل وأكثر التصاقاً بفكرتهم من مطالبهم الوظيفية . فالغالب عند العلمانيين فيما يخص العلاقات بين الجنسين هو التساهل . فهم يقبلون، وأحياناً يشجعون، أشكالاً مختلفة من العلاقات بين الرجل والمرأة غير الزواج الشرعي رغم أن العنوان الأبرز لهذه العلاقات هو تضييع حقوق المرأة ، وهذا يشكل ضربة في الصميم لدعوى حرص العلمانيين على حقوق المرأة .

الضربة الأخرى لحقوق المرأة يمثلها استهتار العلمانيين بالشروط الإسلامية للزواج من ولي وشهود وإشهار وكفاءة وغيرها، وكلها تصب في مصلحة حماية حقوق المرأة، ويصل الأمر ببعضهم إلى القول ( إن قسيمة الزواج هي مجرد ورقة لحفظ الحقوق ) ! في استخفاف واضح بها وتقليل من أهميتها، بينما كان المتوقع أن يكونوا أحرص الناس على هذه الورقة ما دامت ترتبط أساساً بالحقوق التي يزعمون أنهم حماتها !، وأن يكونوا الأحرص على محاربة كل أشكال العلاقات الأخرى إن لم يكن لشئ فلما يصاحبها من تضييع لحقوق المرأة .

يحاول العلمانيون استدراك هذا التقصير في حماية حقوق المرأة بالمطالبة بحقوق المرأة الحامل خارج إطار الزواج، وحقها في تسمية الأطفال الناتجين من هذا النوع من العلاقات العلمانية باسمها، وغيرها من المطالب الخاصة بتطبيع العلاقات ذات الطابع العلماني بين الجنسين، ومعالجة آثارها .. فهذه عندهم هي المرأة المثالية التي يتخذ الدفاع عن حقوقها طابعاً جدياً لا يضيعه تقاعس ولا يخالطه تنازل تحت إغراء مطلب آخر مضاد أحرى بالرعاية .

يتخذ العلمانيون كل الخطوات اللازمة لتسهيل هذا النوع من العلاقات : بتشجيع النساء على ارتداء الأزياء المثيرة، وبتشجيع اختلاطهن الشديد مع الرجال في أجواء تشجع على الإغواء المتبادل، وبتحجيم دور الأسرة في التربية وبالتشجيع على التمرد عليها وتبني الثقافة الغربية “المتحررة” ( تسهيل ثقافي )،
وبإخراج كثير من الأفعال من تعريف الأفعال الفاضحة، وبإباحة الدعارة كما كان الحال في الماضي، وإذا تعذر ذلك، فبإعادة تعريف الدعارة لغرض إخراج كثير من الممارسات من هذا التعريف، وبإلغاء عقوبة الزنا إن أمكن أو تخفيفها ( تسهيل قانوني )، وبعدم الاعتراف بالضوابط الشرعية في العلاقات وبالبحث عن شرعنة دينية للعلاقات المنحرفة ( تسهيل ديني )، وبالعمل من أجل إزالة الوصمة الاجتماعية عن الزانيات والحاملات سفاحاً ( تسهيل اجتماعي ) .

لمعرفة لماذا يفعلون ذلك يمكن استصحاب هذه الحقائق :
– أن مطلب حقوق المرأة هو مطلب وظيفي، الغاية منه الحرب على الدين، فهم يهتمون بالحقوق التي تُنتَزَع بمخالفة الدين لا تلك التي تتحقق بموافقته . لأن الدين، إلى جانب العادات والتقاليد المستمدة منه، في نظرهم هو المتهم الرئيسي بهضم حقوق المرأة، ولذلك فإنهم ينظرون بإيجابية لأي تحلل من ضوابط الدين وعادات المجتمع . ذلك لأن تسهيل العلاقات غير الشرعية أكثر جذباً لهم وأكبر صلةً بجوهر فكرتهم، حتى لو كان ذلك على حساب حقوق المرأة، فحقوق المرأة عندهم هي وسيلة لغاية، وما دامت الغاية يمكن أن تتحقق على حساب هذه الحقوق، فستكون الحقوق الضائعة تضحيةً معقولة من أجل القضية الأكبر .
– أن الأصل عند العلمانيين في كل مكان هو إباحة الدعارة والزنا بالقانون ما دام بالتراضي، بما يضيع حقوق المرأة تماماً أو يقزمها لتصبح فقط حصولها على ثمن بيع جسدها، وهذا كان هو الحال في السودان في الماضي في العصر الذهبي للعلمانية حين كانت الشرطة تحرس بيوت الدعارة وتضمن للداعرات أخذ الأجر من الزبائن، وكانت الدولة العلمانية تأخذ نصيبها من هذا الإمتهان للمرأة في شكل ضريبة ! وهم الآن يجدون مشقة في العودة الفورية إليه بسبب الأثر الاجتماعي الباقي من سياسات الأسلمة، ولذلك اكتفوا بالتشجيع وإعادة التعريف وتخفيف العقوبة والتساهل في تطبيقها .

إبراهيم عثمان

اترك رد