إبراهيم عثمان يكتب: الأساطير المؤسسة لدولة القحط (٤-٤)

السودان

الخرطوم:الرآية نيوز

إبراهيم عثمان يكتب:

الأساطير المؤسسة لدولة القحط (٤-٤)

من بين الأساطير التي تأسست عليها دولة القحط أسطورة أن القوى المسيطرة على قحت تمثل قوى ديمقراطية حقيقية . لكن الواقع يثبت عكس ذلك تماماً، فالدكتاتورية ضرورة وجودية لهذا النظام وتفرضها عدة عوامل هي التي تشكل الوضع الحالي :

▪️ أحجام الأحزاب الحاكمة، وتاريخها مع الانتخابات في السودان، والتجارب الأم الملهمة، خاصةً الشيوعي والبعث والناصري .
▪️ الشركاء من حركات التمرد وكلهم يريد فترة انتقالية أطول، وكلهم غير ديمقراطي بطبيعة تكوينه، وهذا يتوافق مع رغبات أحزاب الفكة اليسارية.
▪️ الشركاء العسكريين، ومن بينهم أصحاب طموحات سلطوية غير مخفية، ودورهم في حراسة دكتاتورية أحزاب الفكة مقابل الحصول على حصة مناسبة من السلطة.
▪️ طبيعة برامج هذه الأحزاب، وهي البرامج التي توقن بأنها لن تستطيع الفوز في انتخابات حرة نزيهة، وبالتالي عجلتها لتطبيقها بطريقة غير ديمقراطية في فترة الانتقال .
▪️ طبيعة حركات التمرد التي لم توقع بعد على اتفاق سلام، وهي سلطوية بدرجة أكبر، وهي تريد فترة انتقالية أطول، وتريد تطبيق برامجها كاملةً بغير طريق الديمقراطية، بل وتريد حمايتها وتأبيدها بمبادئ فوق دستورية تصادر المستقبل أيضاً، والمكونات الحالية للسلطة لا تمانع، ولا يهمها إلا ضمان حصتها وأدوراها .
▪️ طبيعة التغيير الذي حدث، ومشاركة عناصر عسكرية من الصف الأول في النظام السابق فيه، ثم انهزامهم لاحقاً، وخروجهم من المعادلة . هذا أعطى أحزاب الفكة اليسارية شعوراً بالانتصار النهائي وبالقوة الخارقة، والقدرة على فعل ما تريد، وبالتالي حفزها على مزيد من الدكتاتورية دون خوف العواقب .
▪️ ردود الفعل الباردة من أحزاب المعارضة وعدم قدرتها على فرض نوع من التوازن يجعل حزب البعث يخشاها فيقلل مضطراً الاقتباس من تجربته الأم .
▪️ الداعمين الخارجيين وموقفهم الحقيقي من الديمقراطية في المنطقة، خاصةً إذا كان هناك احتمال كبير لفوز التيارات المحافظة في ظلها .
▪️ الحاضنة الشعبية للحكومة غير الديمقراطية بطبيعتها، وثقافة الدوس التي تسيطر عليها واختصارها للحرية في حرياتها الاجتماعية . ومزايداتها على الحكومة باتهامات التقصير في الدوس. ومساهمات هذه الحاضنة في الدوس على طريقتها .
▪️ الكتاب والمثقفون من أنصار النظام الذين تقتصر انتقاداتهم، إذا انتقدوا، على مواضيع بعيدة عن السلوك السلطوي للنظام، وللنيات المعلنة بتأجيل الاستحقاق الديمقراطي لأطول فترة ممكنة .

نتج عن هذا الواقع :
▪️ الأحزاب تغذي كراهية الشريك العسكري عند حاضنتها الشعبية لتضمن القدرة على الضغط عليه عند اللزوم، لكنها تتودد إليه في المكاتب والصوالين لتضمن حراسته لها ( شهادة د. عائشة موسى ). والعسكر يتحدثون، من حين لآخر، عن الفشل، ويلوحون بإمكانية استجابتهم للثورة ضد الحكومة.
▪️ الأحزاب تقول إنها تستعجل الوصول إلى سلطة مدنية كاملة ورجوع الشريك العسكري إلى ثكناته، لكنها تعمل بعكس مقتضى هذه الرغبة، ذلك حين تحرص أكثر من الشريك العسكري على طول مدة الفترة الانتقالية، وبالتالي طول مدة بقاء هذا الشريك في السلطة وتعاظم أدواره كلما أثبت دوره المهم في حراسة النظام .
▪️ الدور الكبير لحزب البعث بحجمه الصغير جداً وبتاريخه السلطوي الدكتاتوري، وتحويله لجنة التمكين إلى جهاز أمن يزاوج بين الاستعانة بأجهزة الدولة وبعناصر الحزب التي أصبحت تمارس مهام أمنية تذكر بكتائب “فدائيو صدام”، ▪️ التمثيليات السلطوية المستهلكة ( تمثيلية محاولة اغتيال حمدوك، العثور على متفجرات تكفي لتدمير العاصمة، التخطيط للعنف والفوضى والاغتيالات في تظاهرات ٣٠ يونيو العام الماضي، وكلها ثبت كذبها ولم يحاكم عليها أحد… وتكرار الاتهام هذا العام بالتخطيط للعنف والفوضى والاغتيالات في ٣٠ يونيو ، وإعادة إحياء قضية مفبركة قديمة منذ الأيام الأولى للتغيير وقبل حكم القحط عن القبض على خلية إرهابية … إلخ).
▪️مصادرات الصحف، وحجب المواقع الإلكترونية، وتشديد قانون جرائم المعلوماتية، والتوسع في تجريم ما كانت هذه الأحزاب تعده من الحريات التي ترفض المساس بها .
▪️ التسييس الكامل للقضاء، في التعيينات وفي سلطة العزل التي تولتها الأحزاب، وفي طبيعة التعامل مع المحاكمين، وفي طريقة تمديد فترات الاعتقال، وفي تغييب مجلس القضاء الأعلى، وتغييب المحكمة الدستورية … إلخ.
▪️الرغبة في البقاء لأطول فترة ممكنة فرضت على الأحزاب الحاكمة أشياء لم تكن مطلوبة منها أصلاً، فقد تجاوزت هذه الأحزاب مهمة التسيير لفترة قصيرة نسبياً، وهي مهمة سهلة إلى حدٍ ما، إلى المبالغة في إطلاق وعود العبور إلى الرفاهية والرخاء والتنمية الشاملة، وهذا اضطرها إلى معالجات اقتصادية قاسية تعتمد أساساً على جيوب المواطنين، وهذا أفقدها جزء من جمهورها، وبالتالي أدى إلى زيادة مخاوفها على سلطتها، وهذا بدوره جعلها تتخلى عن مكياج الديمقراطية وتظهر بوجهها الدكتاتوري الحقيقي، وجعلها تتصرف منطلقةً من قناعة داخلية لديها بأنها قد فعلت في معاش الناس، وفي ثوابتهم، وفي أملهم في ديمقراطية حقيقية، ما يجعلها مؤهلة للإسقاط بثورة شعبية حقيقية تتوفر لها كل العوامل .
▪️ استعانة حمدوك ببعثة أممية غرضها الرئيسي، المعلن تقريباً، هو خدمة المكون المدني في تنافسه مع المكون العسكري .
▪️ تأييد الأحزاب، بل تحريضها، للكونغرس الأمريكي على إصدار التشريعات التي تهدف إلى التضييق على المكون العسكري والأجهزة النظامية ومصادرة مصادر تمويل الأجهزة النظامبة للتغطية على فشل الحكومة .
▪️ الصراعات الكثيرة على الغنائم، والتي بُذِلت، ولا زالت تُبذَل، مجهودات داخلية وخارجية لحلها، بدأً من الوساطات الخارجية للاتفاق على الوثيقة الدستورية، مروراً بمجلس الشركاء/الجودية، وانتهاءً بمبادرة حمدوك التي قال إنه يريد بها حماية البلاد من مصير مظلم في ظل صراعات من كل الأنواع داخل النظام : مدنية – مدنية، ومدنية – عسكرية، وعسكرية – عسكرية .
▪️نفي المكون العسكري الحزء الذي يخصه من اتهامات حمدوك في الجزء المتعلق بالخلافات العسكرية – العسكرية . والطريقة التي تم بها هذا النفي.

هذه الأحزاب بطريقة تصرفها أضاعت على نفسها فرصة تاريخية، فالانتخابات مهما تحايلت لتفاديها ستأتي، وسيكون موقفها أسوأ مما كان سيكون عليه لو أنها لم تسع إلى تأبيد سلطتها، ولم تملأ الفترة الانتقالية بكل ما يزيد من غربتها عن الشعب، ولن تضف إلى غربتها القديمة الناتجة من أفكارها الشاذة غربتين جديدتين نتجتا من بعدها عن هموم الشعب واستسهال دوسه بأقسى القرارات الاقتصادية، وإثبات زيف شعاراتها عن الحرية والديمقراطية، وإثبات أنها تشكل العقبة الأكبر في طريق انتخابات حقيقية حرة نزيهة يقبل الجميع بنتائجها، فهي لا تريد هذه الانتخابات. وإن فُرِضت عليها، فهي لن تقبل بنتائجها .

إبراهيم عثمان

اترك رد