هشام الشواني يكتب : مقارنة بين الناظر والفتى الانفصالي الطائش

السودان

رصد : الرآية نيوز

هشام الشواني يكتب :

مقارنة بين الناظر والفتى الانفصالي الطائش.

الحراك التصعيدي الذي انتظم شرق السودان والبطانة ونهر النيل وقد ينتظم النيل الأبيض وكردفان ودارفور والنيل الأزرق. هذا الحراك ينطلق من قوى اجتماعية ترفض التشكيل السياسي الحالي، ترفض اتفاق جوبا وترفض حكم قوى الحرية والتغيير وطريقتها الفوضوية المشوهة. والحق يقال فإن غالب هذه المكونات لم تبدأ شق هذا الطريق إلا مع تمادي الحكومة المركزية ومجموعاتها الحاكمة في عدم الاهتمام وعدم الاستماع لمطالب هؤلاء القادة وهذه المجموعات.

بالطبع يدل هذا الاحتجاج بمستوياته العميقة على التفاعل الجدلي بين القبيلة والسياسة، بين المطالب الإقليمية وصياغة آيدلوجيا عرقية. وتبرز في هذا الإطار مصطلحات مثل تقرير المصير والانفصال والحق التاريخي للشعب. والمظالم التاريخية…..الخ.

وهنا من الطرافة أن نصوب النظر نحو نوعين من التوظيف السياسي لهذه المعطيات القبلية والعرقية والمناطقية. التوظيف الأول هو توظيف قائد مثل الناظر ترك وأمثاله في البطانة من شباب منبر البطانة الحر. هذا هو النوع الأول. أما النوع الثاني فهو توظيف بعض الانفصاليين في الشمال ومنهم الشاب الناشط عمسيب وأخرى لا أعرفها تسمى حياة عبدالملك.

يقوم الناظر ترك وأمثاله من القادة المحليين المستندين على القبيلة بصياغة خطاب سياسي يقوم على الواقع. خطاب تصعيدي يعرف خصمه جيدا ويعرف تعقيد المشهد السياسي. المبدأ الأساسي للخطاب هو : حقوق مجموعات شرق السودان في السلطة “التمثيل السياسي” وفي الثروة “التنمية”. وهاتان القضيتان مهمتان جدا، فالتمثيل السياسي طريقه الانتخابات لا مسار جوبا الذي أتى بأشخاص انتهازيين لا وزن لهم. والتنمية قضية طويلة يرغب السودانيون في رؤية ترجمتها على معاشهم اليومي. ولكن التجارب تؤكد أن مجرد حدوث تمثيل سياسي كاف في جعل الحوار حول نموذج التنمية وآلياتها يتم في جو أكثر استقرارا من الناحية السياسية. في إطار هذا الخطاب يناور الناظر ترك ويلوح بحق تقرير المصير وبالانفصال وبالحكم الذاتي. هذا توظيف براغماتي واقعي يستند على معطيات مادية وسياسية ملموسة، وهنا فإن حكمة الناظر تفهم أن الوحدة مهمة وضرورية وأن الخصم الحقيقي هو نظام الخرطوم وحكامه من أحزاب وعيال منظمات وأونطجية عملاء تابعي الخواجات.

في المقابل يقوم الشاب الناشط الصغير عمسيب بتوظيف من نوع آخر. حيث نجد اهتماما كبيرا بالتحليل الثقافي لمظاهر الحياة والسلوك والعادات، نجده يصل في بعض الأحيان لتحليل يذكرنا بأوهام التفوق الثقافي والحضاري والعرقي، نجد احتفاء غير منضبط، مليء بالجهالات بالقبيلة والعشيرة والأسرة الصغيرة التي ينتمي لها. هذا النوع من الخطابات الثقافية يشبه الناشطين فعلا، وعمسيب في الأصل ناشط سياسي مشابه لعيال الحركات، ولرواد اللايفات. معالجته الثقافية معطوبة تحليليا وعلميا، ولكنه يخلق منها الفكرة الأساسية التي يفسر بها الواقع. ويضيف عليها سردية تاريخية أكثر جهلا بالسودان فيدعي أنه يرغب في العودة للفونج ولا يعرف أن تاريخ الفونج لم يعرف حدودا بالمعنى الجغرافي بل كانت وخلال أكثر من ثلاث قرون تتبادل الحدود بتواتر مع ممالك تقلي والفور والمسبعات. كانت كردفان مثلا وفي أحايين كثيرة تكون تحت سيطرة الفور وأحايين أخرى تحت سيطرة المسبعات.وهذه جميعها هي ممالك السودان قبل التركية.

عند الناشط الصغير تجد تحليل قائم على اللون الأسود، الملامح الزنجية، الأسماء والوصمات الأخرى. ثم يقفز فجأة ليحلم بدولة مضحكة لا أصل لها. هذا الشاب نصف المثقف يختلف تماما عن الناظر ترك وعن الحراك الواقعي على الأرض في البطانة والجزيرة والشمالية وكل السودان، هؤلاء يواجهون النظام بالواقع السياسي والمظالم المباشرة في التنمية والتمثيل السياسي، ولكنهم ولأنهم سودانيون محترمون لا يتجاوزون الأدب اللائق في التعامل مع الناس وقد عاشروهم وعاشوا معهم وبينهم الملح والملاح. أما الصبي وبنزق الشباب فإنه يتمادى ويتجاوز حدود الاحترام، يقدم خطابا مماثلا لبعض العنصريين من اللايفاتية ممن يعيشون في اوروبا ويعبدون الخواجات.

هذا المشهد الحالي الذي ينتظم احتجات الشرق والبطانة يعكس موقفا وطنيا يضع قضية المنطقة والقبيلة في إطار مشكلة سياسية لا ثقافية وهنا تحديدا نرى كيف أن هذا الحراك قد أثبت صحة موقفنا على أرض الواقع. لذا فإننا نؤكد شرعية هذه الاحتجات والتصعيد، ندعمها وندعم قضاياها.

وعاش السودان عزيزا موحدا

هشام الشواني
تعليقات (0)
أضف تعليق