الخرطوم : الرآية نيوز
هشام الشواني يكتب :
التناقض بين السياسات الاقتصادية والديمقراطية.
من المؤكد أن الديمقراطية السياسية تتناقض مع السياسات الاقتصادية التي تتخذها الحكومات وفق وصفة صندوق النقد الدولي أو ما يعرف بسياسات التكيف الهيكلي. ونحن هنا بصدد التأكيد على هذه الحقيقة البسيطة والتي تغيب عن الكثيرين، فالسياسات التي تتبعها حكومة الفترة الانتقالية منذ البداية الأولى كانت تتمثل وصفة صندوق النقد الدولي، بدأت الحكومة برنامج رفع الدعم وبدأت كذلك سياسات مالية من أهمها تحرير سعر الصرف.
لكن الأهم من ذلك أنها بدأت في العمل على استيفاء مطلوبات برنامج الصندوق للدول المثقلة بالديون (هيبيك)، هذا البرنامج بجانب حزمة سياساته المعينة فإنه يتطلب إعلان (سياسة للحد من الفقر) وهي سياسة يوافق عليها الصندوق وتكون ضمن وصفته وتعليماته. وقد وصل السودان لنقطة بداية البرنامج وعليه المضي قدما في هذه السياسات الاقتصادية، بما يعني أن سداد الديون هو الأولوية من أجل إعفاء الديون!! هذه مفارقة بالطبع فنحن وفي حوالي ثلاث سنوات تقريبا حتى الوصول لنقطة اتخاذ القرار يجب أن نثبت قدرتنا على سداد الدين، ومن ثم نكون مستحقين لقروض جديدة بعد إعفاء نسبة من ديوننا، وتكون الأولوية دوما لسداد الدين مع الإلتزام التام بسياسات رفع الدعم وعدم التدخل الحكومي المباشر في الاقتصاد.
الجانب السياسي هنا واضح تماما ويتمثل في أنه من غير الممكن أن يتم هذا البرنامج بلا دكتاتورية وهيمنة سياسية، هذا الأمر تعكسه حقيقة أن (خطة سياسة الحد من الفقر) لم تجاز من برلمان، ولا يعرف أحد عنها شيئا، هل احتفظت حكومة قوى الحرية والتغيير وحمدوك وقتها بنفس (سياسة الحد من الفقر للعام ٢٠١٣) أم تم تعديلها، كيف حدث ذلك؟ أين أصحاب المصلحة من ذلك؟ أين مؤسسات التشريع والبرلمانات الولائية والنقابات في إجازة سياسة للحد من الفقر؟ هل من الممكن أن تتضمن هذه السياسة بنود خارج الخطوط الحمراء لصندوق النقد وتوجيهاته؟ الإجابة هي أن خطة سياسة الحد من الفقر لم تجاز من برلمان، بل مررت بهيمنة أصحاب الياقات البيضاء من الليبراليين، كما مرر قانون شراكة القطاع الخاص والعام وغيره من القوانين والاتفاقيات.
الملاحظة الأخرى ذات صلة بالبناء الديمقراطي للنقابات المهنية والعمالية، ومعروف أن أهم مطلب لهذه النقابات هو الحد الأدنى للأجور، وهذا المطلب تحديدا كان شعار تجمع المهنيين السودانيين مع آخر أيام نظام الإنقاذ. كل حديث عن حد أدنى للأجور أو زيادة للأجور سيكون مناقضا لاتجاه البنك والصندوق والسياسات التي تتبعها الحكومة لأنه بعني زيادة الإنفاق الحكومي ويعني تدخلا حكوميا، فالأجور والعمل هي أشياء تخضع للعرض والطلب في السوق.
هذه تناقضات جوهرية بائنة بين السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تتبعها الحكومة وبين مفاهيم البناء الديمقراطي السياسي والمدني، وهنا فإن الخيارات السياسية المتاحة لمثل هذه السياسات تتمثل إما دكتاتورية عسكرية أو حكومة نخب يحطمون لفترة طويلة بلا شرعية انتخابية مثل ما كان يحدث من قحت وحكومتها التي شرعت لهذه السياسات الاقتصادية، وبالنسبة لي من غير المفهوم أن يتحدث الشخص النيوليبرالي الاقتصادي عن أشكال الديمقراطية السياسية ومؤسساتها، فهذا تناقض واضح متصل للدقة بالسياق الذي نتحدث فيه( السودان والعالم الثالث). هذا التناقض ظهر بوضوح في أمثلة( سياسة الحد من الفقر والنقابات) ويمكن أن يظهر بوضوح أكبر لو طرحت موازنة ٢٠٢٢ لبرلمان وهذا يتصل بالأعوام السابقة التي شهدت هيمنة مدنية لصفوة ونخبة قحت الليبرالية.
بالطبع من المفهوم لدينا أن يتحدث النيوليبراليون عن الديمقراطية بمعنى أن يحكموا هم هذه البلاد وكذلك بما يحملونه من عداء جوهري لمؤسسات الدولة الوطنية والجيش السوداني فهم رأس الرمح في مشروع تدمير الدولة والمجتمع.
وللحديث بقية.