د.أسامة الأشقر يكتب : رحيل حكيم الأنصار عبد الرسول النور

السودان

رصد : الرآية نيوز

د.أسامة الأشقر يكتب :

رحيل حكيم الأنصار عبد الرسول النور


كان أول ما تعرّفت هذا الرجل الحكيم في منتصف التسعينيات في مكتبه بشركة البحر الأحمر للتأمين في شارع البلدية بالخرطوم، كنتُ وقتَها أحاول أن أشرح لهذا القياديّ المعارض تطورات القضية الفلسطينية وكيف يمكننا المساعدة في تصحيح الوضع القائم، ولاسيما بعد اتفاق أوسلو، وكان الرجل شديد الإيمان بهذه القضية، ولخّصها حينذاك بأنها قضية منصورة، ولن تلبث أن تستعيد جذوتها ومكانتها، وطلب أن يكون قريباً من أي تطورات تحدث وتنويره بالمستجدات، وفي كل مرة كان يبادرنا بعظيم كرمه وحسن استقباله وجمال ترحابه.
أحببت هذا الرجل من اللقاء الأول كما أحببت رفيقه الأنصاري عبد المحمود أبّو حفظه الله، فهما من رجالات الأنصار الملتزمين بتعاليم هذه الطائفة التي رسمت حدود السودان الجديد، وسطّرت واحدة من ملاحم مواجهة الاستعمار البريطاني، واستطاعت الاقتراب من نفوس عامة الناس واستقطابها لمشروعها.
الراحل الدمث ذو الوجه البريء المدوّر وعمامته الأنصارية البيضاء وثوبه الفضفاض المقلوب وعصاه الصغيرة التي لا تبتعد عنه كانت أولى الملامح التي تجتاحك أول ما تلقاه، وهو الرجل العريض الممتلئ الذي يريح الناظرين عند الإقبال عليه والجلوس في حضرته.
كان خبيراً بشؤون القبائل وعاداتهم وتقاليدهم القديمة والحاضرة في كردفان الكبرى ومحيطها القريب، كما كان عارفاً بتاريخهم وتراثهم وكبارهم، لذلك كانت الغنيمة وفيرة إذا جلسنا إليه واستمعنا إلى تقريراته عن هذه المعرفة التي قلّ أن تجد عارفاً حصيفاً بها.
لم يكن الراحل عبد الرسول النور إسماعيل رجلاً داعيةً فحسب بل كان رجل دولة وسياسة، وسبق له أن كان حاكماً لإقليم كردفان قبل ثورة الإنقاذ الوطني نهاية الثمانينات وبقي صوتاً لهم بعد عزله كثير التردد عليه، تجده في الأبيّض وبابنوسا والمُجْلَد والميرم… بين أهله من المسيرية وجيرانهم وبين أحبابه ومريديه؛ كما كان مناضلاً سياسياً ذاق مرارة السجون في السبعينيات والتسعينيات ولم يقطع سبيل الحوار مع أيّ أحد رغم شدّة ما لحق به؛ وبقي وفيّاً لإمام الأنصار الراحل السيد الصادق المهدي رحمه الله محافظاً على روح الجماعة في سلوكه وبيانه ، معتنياً بالجوانب الروحية والإيمانية أكثر في حديثه إلى الأحباب والأنصار، موصياً لهم بالحوار والانفتاح على الآخرين وعدم سدّ الطرق في أي مخاصمة أو مصارعة، والانحناء للعواصف الجائحة إذا هبّت، ومراجعة القرارات في زمان الأزمات.
رحم الله حكيم الأنصار الحبيب عبد الرسول النور، وأكرم وفادته، وعظّم أجر الأنصار والسودان في رحيله المؤلم.
د. أسامة الأشقر

حكيم الأنصار عبد الرسول النورد.أسامة الأشقر
تعليقات (0)
أضف تعليق