هشام الشواني يكتب : عن السلفي الوطني محمد مصطفى عبدالقادر

السودان

رصد : الرآية نيوز

هشام الشواني يكتب :

عن السلفي الوطني محمد مصطفى عبدالقادر

بدأ (الإصلاحيون الإسلاميون) في القرن التاسع عشر موقفهم بشيء من الليبرالية السياسية، وقد مثل كتاب الكواكبي عن (الاستبداد) نزعة عامة للفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وهي نزعة (الحرية) ونزعة نقد السلطة السياسية العثمانية من باب (استبدادها) والنظر من ثم لأسباب نهضة الغرب باعتبار أعلى من فضيلة (الحرية السياسية). من يقرأ عن الفكر السياسي لمحمد عبده يتلمس هذه الروح الليبرالية بوضوح، ولقد كان كتاب ألبرت حوراني المترجم باسم ( الفكر العربي في عصر النهضة) يعني في أصله الانجليزي الفكر العربي في الصر الليبراليthe Arab thought in the liberal age

عموما هذه النزعة (الحرياتية) هي نزعة ل(علم كلام سياسي إسلامي معاصر)، وقد وجدت جذورها في مناقشات المعاصرين عن التاريخ الإسلامي، وإسقاطاتهم عليه فصار علي رضي الله عنه ممثلا للحرية والفضيلة، ومعاوية رضي الله عنه ممثلا للدولة والاستبداد، وبالطبع هذه قراءة آيدلوجية إسقاطية تضلل القارئ عن معرفة حقيقية بالتاريخ الإسلامي. تجدها في كتابات طه حسين عن الفتنة مثلا.

لاحقا ومع الصحوة الإسلامية تطورت النزعات القديمة للإصلاحية الإسلامية لا سيما نزعتها الليبرالية السياسية لشكل أكثر عملية، فصارت قضية الاستقلال الوطني والإصلاح الدستوري هي القضايا الأهم والأبرز مع نظريات عمل اجتماعي تربوي يعيد الحياة الحديثة لمظاهر ورموز وتعاليم الإسلام.

لست بصدد رصد تطور ( الإسلاميين المحدثين )لكني بصدد نقد موقف اختزالي لا زال يتردد صداه حتى اليوم عن الحرية السياسية، هذا الموقف يقدم خطاب الحرية السياسة الليبرالي بثوب إسلامي، موقف ينتقد السلطة -السلطة السياسية- بمجرد ظهور أي بوادر عنف، هذا الموقف المثالي الإسلامي هو موقف كما الموقف الليبرالي موقف اختزالي يعزل السياسة ومسألة الحريات العامة عن سياق الصراع الاجتماعي وعن شروط الاقتصاد السياسي والصراع الجيوسياسي، هو موقف ينظر للدولة كجهة نطلب منها حقوقنا، بغض النظر عن التساؤلات العميقة حول ماهية الدولة؟ وماهية الصراع الاجتماعي حولها؟ وماهية واجاباتنا قبل حقوقنا؟

لنأخذ مثالا على هذا الموقف وهو موقف قديم كنت أردده عن التيار السلفي في السودان، فقد كنا نملك قاموس مشابه للعلمانيين الليبراليين تجاه السلفيين فنصفهم بأنهم (علماء سلطان) و (رجال دين) ونندد بحسهم (المحافظ) تجاه مسألة السلطة والتغيير. بالنسبة لي اليوم فإن التيار السلفي هو جزء من الفاعلية الإسلامية المعاصرة، وهو تنويعات عديدة وتيارات متعددة، وفاعليته السياسية ذات أوجه متعددة، فحركة محمد بن عبدالوهاب هي أول الحركات الإسلامية المعاصرة، وقبلها قامت في المغرب العربي حركة المهدي بن تومرت وهو رجل يمكن اعتباره سلفي مبكر أنشأ دولة كاملة على تعاليم ابن تيمية. أما في القرن العشرين فقد ساد نمط السلفي المهتم بالدعوة والمتحفظ تجاه قضية السلطة السياسية، لكنه في المقابل مهتم بالتعليم الديني ومحاربة البدع والعمل الاجتماعي، ورغم كل ما يمكن قوله بخصوص طريقة تعاملنا مع التراث الإسلامي وهي معضلة فكرية عميقة، إلا أن التيار السلفي يعكس فاعلية عظيمة وميكانزمات عمل اجتماعي حركي تكشف لك عجز وقصور المقاربة الليبرالية التي يقوم بها البعض تجاه التيار السلفي، بمافي ذلك بعض الإسلاميين، موقف تلاحظه في عداء مباشر تجاه بعض خطابات أئمة سلفيين.

بالنسبة لي المقياس الأكثر صحة لتقييم الخطاب السلفي هو معيار (الفاعلية السياسية) على ضوء السؤالين:
هل نتلمس وعيا حضاريا واجتماعيا بالصراع السياسي؟
هل نتلمس حسا وطنيا وقوميا داخل ثنايا الخطاب السلفي؟

وهنا بالضبط فإنني أنظر للشيخ محمد مصطفى عبدالقادر كسلفي وطني وقومي، سلفي يحرك خطابه بديناميكية أكثر مرونة وسعة وعمق من بقية أقرانه، فالخطاب عند محمد مصطفى عبد القادر هو خطاب محافظ لكنه يدور خول أساس ثابت هو وحدة هذه البلاد وعزتها، وهزيمة المشروع التغريبي الذي يتمدد ليحاصر السودان. والشيخ محمد مصطفى عبدالقادر هو السلفي الأكثر تأثيرا لأنه يمتلك هذه الشفرة الوطنية القومية دون البقية خصوصا أولئك المهرجان المزعجان اللذان يسميهما محمد مصطفى ب(العصبجي وعديم الآداب).

كتبت هذا الكلام لأن الحركة الإسلامية بمعناها التاريخي أوسع من مجرد حركة المتعلمين المخصوصة والتي تم التعارف عليها كحركة الإسلاميين، لقد واجه الإسلاميون المحدثون تحديات كبيرة ولهم فيها دور إيجابي وحتى لنزعتهم الليبرالية القديمة دور مهم، وهذا ما ظهر مع الشيخ محمد عبده تحديدا، ولكن السلفيين وبعض حركات التصوف كانت تواجه ثغور أخرى ومهام أخرى.

لذا فيا إخوتي تنبهوا لكثرة الثغور، وتفكروا في التعقيد الشديد لحركة التاريخ.

الشيخ محمد مصطفى عبدالقادرهشام الشواني
تعليقات (0)
أضف تعليق