قراءة في كتاب الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي

السودان

رصد : الرآية نيوز

مجموعة الإحياء والتجديد

قراءة في كتاب الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية
من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي
للدكتور محمد المختار الشنقيطي

الجزء الثاني

في القسم الثاني يناقش الشنقيطي التاريخ السياسي الإسلامي الذي أختار له تعبير التأمر عن غير إمرة عنوانًا وهو تعبير مستمد من نصوص السنة النبوية والتأمر عن غير إمرة في وصف الشنقيطي هو حكم الضرورة والاستثناء فقد قبله الضمير المسلم على مضض قبولًا عمليًا اضطراريًا لا استسلامًا أخلاقيًا للاستبداد وكان قبول الأمة لتأمُر الأمير بدون إمرة وهو ما حدث في صفقة عام الجماعة تضحية بالشرعية السياسية لمصلحة وحدة الأمة الإسلامية بعد تشبث معاوية بن أبي سفيان بالسلطة ولكن النتيجة كانت بعد ذلك تشظي الأمة الإسلامية و شرعنة الإستبداد السياسي إلى اليوم ويتناول الشنقيطي في هذا القسم حركة القيم السياسية الإسلامية في الزمان وتفاعلها مع المكان وإنفعالها بالسياق التاريخي الذي وجدت نفسها في مواجهة معه

وفي الفصل الثالث ومن خلال بيان الفراغ السياسي العربي الذي ولدت فيه الدولة الإسلامية يستعرض الشنقيطي حركة القيم السياسية الإسلامية في الزمان وتفاعلها مع المكان
ويرى أن القيم الكبرى تحتاج بيئة صالحة لتنغرس في الأرض قوية ثابتة وأن جزيرة العرب كانت تلك البيئة الصالحة لأنها غير ملتبسة بمواريث العبودية السياسية وأنها مناسبة من الناحيتين الإعتقادية والثقافية وهما الأهم في تقديم منظور جديد إلى العقول ومناسبة أيضًا من حيث ترسيخ فكرة الحرية وفطرة العزة فيه إذ كان مجتمع العرب قبل الإسلام يتمتع بحرية فائضة لا تعرف معنى الانتظام في مؤسسات سياسية وقانونية متفلتًا من أي ضباط سياسي عصيًا على فكرة الدولة التعاقدية فكان في حاجة إلى الترويض شديد ليتقبل فكرة الدولة والنظام والقانون فإن طبيعة العرب العصية على سلطان الدولة لا يمكن تذليلها وترويضها إلا بالدين كما لحظة ابن خلدون ذلك

ويرى أن السياق التاريخي الذي ولد فيه الإسلام اتسم بسمتين محورتين هما الفراغ السياسي السائد في الجزيرة العربية عند ظهور الإسلام مما سهل عليه تأسيس قيم جديدة في السياسة ولكنه أضر بالإسلام كثيرًا من حيث إنه سهل انفجار الفتن السياسية والنموذج الإمبراطوري المحيط بالجزيرة العربية آنذاك فقد أفاد المسلمين الأوائل من العرب في الاستمداد من نماذج دول قائمة

ويرى أن فوضى الجزيرة العربية وطغيان الاباطرة المحيطين بها زاحمت القيم السياسية الإسلامية ويرى أن معالم الانحراف عن القيم السياسية الإسلامية بدأت منتصف ولاية عثمان وأن الفتنة الكبرى وصفقة عام الجماعة وضعت الأمة الإسلامية في مأزق الاختيار بين الخنوع للقهر السياسي أو الاندثار في الحرب الأهلية وانتهت الحرب بصفقة عام الجماعة التي أسست للتضحية بشرعية السلطة وكان صلح عام الجماعة الذي تم فيه تسليم السلطة لمعاوية أول تطبيق لمبدأ التأمر من غير إمرة فقد خرج معاوية عن القيم السياسية الكبرى من شورى وعدل وأمانه واستيلاء معاوية على السلطة كانت لحظة انقلاب على القيم السياسية الإسلامية وانتصار القوة في وجه الحق والفوضى في وجه القانون وكان رأي الصحابة في ولاية معاوية ما هي إلا هرقلية وفوقية واستيلاء معاوية على السلطة ماهي إلا ردة سياسية

وفي الفصل الرابع يناقش الشنقيطي البيئة الإمبراطورية التي كانت تحيط بالدولة الإسلامية الوليدة ويقول لم تكن البداوة السياسية العربية العصية على سلطان الدولة هي التحدي الوحيد أمام قيم الإسلام السياسية بل كانت النماذج الإمبراطورية المحيطة بالجزيرة العربية زاحمًا آخر لقيم الإسلام ويرى أن النموذج الإمبراطوري الفارسي عمومًا وخاصة عهد اردشير كان أشد وطأة من النموذج البيزنطي فقد ترك أثر سلبي للغاية في منظومة القيم السياسية الإسلامية وافرغها من مضمونها إلى حد كبير وإن كان له أثر إيجابي فقد زود الدولة الإسلامية الوليدة على الفراغ السياسي بعدد من الأنماط الإدارية والبني البيروقراطية كانت في أمس الحاجة إليها في مرحلة النشوء

ويرى اختراق القيم الساسانية للقيم الإسلامية السياسية ذات الصلة بتحديد من له الحق في السلطة السياسية وبأي حق يمارس ذلك الحق وما الصلة الأخلاقية المفترضة بين الحاكم والمحكوم كان في وقت مبكر وقد انتبة الجابري إلى أن صراع القيم السياسية في الثقافة الإسلامية انتهى بهيمنة النموذج الفارسي الذي يجد مرجعيته الأولى في عهد أردشير

وان القيم الديمقراطية اليونانية _الرومانية كان لها أثر سطحي في الفكر السياسي الإسلامي وإن كانت تتضمن قيمًا سياسية شبيهة بقيم الإسلام السياسية ويرجع ذلك إلى ذبول هذه الديمقراطيات عند مولد الإسلام فقد كانت ذكرى باهتة يوم مولد الإسلام ويرى أن المواريث الفارسية لديها المقدرة على ابتلاع الشعوب التي تغزوها وترويضها للمزاج الثقافي الفارسي ويرجع ذلك إلى عمق التاريخ الإمبراطوري الضارب الجذور في قدم الثقافة الفارسية ويقول لم يكن الفتح الإسلامي لبلاد فارس استثناء من هذه الظاهرة كما لم يكن الفتح الإسلامي لبلاد فارس أمرًا سهلًا

ويرى أن العقل العربي تشرب التراث الساساني في عهد مبكر وانتصرت القيم الساسانية الفكرية والسياسية والثقافية وكان ذلك في خواتيم الدولة الأموية وبواكير الدولة العباسية فقد كانت القيم السياسية التي تضمنها عهد أردشير مناقضة لروح الإسلام التوحيدية وقيمه السياسية ويظهر هذه التناقض الصارخ بين المنظور الإسلامي والمنظور الساساني في القيم السياسية وهي تأصيل الوثنية السياسية واستخدام الدين بدل عن خدمته وتسويغ العسف السياسي وترسيخ الطبقية الاجتماعية ولكن رغم كل ذلك فإن الدرع التوحيد الإسلامي حال دون الخضوع الكامل لذلك المصدر وخصوصًا في مجال الاعتقاد.

مجموعة الإحياء والتجديد
تعليقات (0)
أضف تعليق