الخرطوم : الرآية نيوز
دكتور ياسر أبّشر عبدالمجيد يكتب :
حصاد الشيوعية ( 19 )
أكاديمية الكذب
في عام 2016 وصلت الخرطوم نائبة بالكونجرس مهتمة بشؤون المرأة ، والتقت بسبع نساء سودانيات داخل السفارة الأمريكية ، لتناقش معهن أوضاع المرأة بالسودان . كان من بين النساء السبع ممثلات للحزب الشيوعي ورَبِيبِهِ حزب المؤتمر السوداني ( أكثر عضويته شيوعيين ) ومنظمة لا لقهر النساء الشيوعية ، وكانت الشيوعية ناهد جبر الله من بين الحاضرات.
حدثتني بذلك إحدى الحاضرات ، وقالت إنها ذُهلت من الكذب والمبالغات والصورة المحزنة المبكية التي رسمتها الشيوعيات لوضع المرأة بالسودان . صورة تجعل المستمع الأجنبي ( مثل نائبة الكنجرس الزائرة ) تخرج بانطباع أن اغتصاب النساء بالسودان يكاد يتم في كل شارع وكل بيت.
قالت تلك السيدة المحترمة المتعلمة ، إنها اعترضت على كذب ومبالغات السيدات الشيوعيات حول اضطهاد المرأة واغتصابها ، وقالت إن ما جرى من اغتصاب إنما جرى أكثره في مناطق النزاع وأنها تعتقد أن حتى الإغتصاب هناك بُولِغ فيه لاعتبارات سياسية .
قالت تلك السيدة المحترمة إنه بعد انفضاض الاجتماع ، أحاطت المشاركات الشيوعيات بها وتَنَمّرنَ عليها أيما تَنَمُّر وكدن يضربنها ، إحتجاجاً عليها لأنها قالت كلاماً مناقضاً لإفادتهن وكذبهن عن أوضاع المرأة بالسودان وبخاصة المبالغات عن الاغتصاب .
بالطبع فقد فهمت أنا لِمَ بَلَغْنَ معها ذلك المبلغ العُنْفَوِي . فأنا أعلم أن إفادتها الأمينة والمناقضة لمبالغاتهن من شأنها قطع المدد المادي الأميركي لمنظمات الشيوعيين وأذنابهم وهم يعيشون على مال السُّحْتِ هذا ، ومنه يُمَوّلون حزبهم. .
وفي 1995 اسْتَقْدَم الشيوعيون في أميركا القسيس مكرم ماكس ، وقالوا إنه رئيس أبرشية الأبيض ، ونظموا له جلسة استماع بالكونجرس ، حضرها المرحوم عمر نور الدائم ، بل كان جالساً في المنصة ، وكنت من بين حضورها مع جمهرة من السودانيين . وكان القسيس أكرم ماكس يضع صليباً فِضّياً ضخماً يتدلى على صدره ، ويلبس ملابس القُسس السوداء . تحدث القسيس عن بيع حكومة الإسلاميين المتطرفة للعبيد بالسودان ، وأنها اتخذت سوقاً لبيع العبيد بمدينة الأبيض ، وقال أنه هو شخصياً اشترى خمسين عبداً بغية تحريرهم. وليعطي كذبته مصداقية سمى بعض هؤلاء العبيد بأسمائهم التي كانت كلها أسماء عربية !!!
لاقى حديث القسيس تصديقاً ، و أحدث امتعاضاً وغضباً على الإسلاميين العنصريين ، وخاصة لدى أعضاء اللجنة من الأفارقة الأمريكان ، وعلى رأسهم العضو دونالد بين Donald M. Payne رئيس الكتلة السوداء في الكنجرس The Congressional Black Caucus . وكيف لا يصدقونه وهو رجل الدين المحترم الصادق الإنساني !!! ولم يبدِ المرحوم عمر نور الدائم اعتراضاً على كل تلك الإفتراءات .
ليس بين الشيوعيين في أميركا عاقل يُنبئهم أن سُبّة الرق الكذوب تلك ستظل وَصْمَة تُلَطّخ سُمْعَة أمتنا التى رضيت بالعبودية وأسواق الرقيق في القرن العشرين .
وشهدت فترة التسعينات من القرن الماضي حملة شعواء ضد الشمال ( العربي المسلم ) الذي يسترق الجنوبيين ( المسيحيين الأفارقة ) ، وهي الصورة التي كرستها حركة قرنق بتنسيق وثيق مع الحزب الشيوعي في أميركا الشمالية وأوروبا . واستخدموا فيها الإعلام والكنيسة والمنظمات . وجراء ذلك جُمعت ملايين الدولارات ” لتحرير ” العبيد الجنوبيين !!!! وكانت أنشط المنظمات في حملة التحرير هذه صديقة الشيوعيين الحميمة البارونة كوكس رئيسة منظمة التضامن المسيحي العالمية Christian Solidarity International . و وكان أبرز ناشطيها صديق الشيوعيين الحميم جون ابنر John Eibner . ومضت حملة جمع الأموال حتى شملت أطفال المدارس في أميركا ومدربي فرق كرة السلة National Association of Basketball Coaches في أحد نهائيات كرة السلة NCAA .
بالطبع لا أحد يعلم مقدار الملايين التي جُمعت سوي جامعيها . الملايين التي شوهت صورة السودان بأيدي بعض العاقين من بنيه. على أن جون ابنر ومنظمة البارونة كوكس يزعمون أنهم اشتروا 60 ألف عبد وحرروهم !!!
في هذا الصدد كتبت واشنطن بوست بتاريخ 26 فبراير 2002 ، ولم تنفِ أكذوبة استرقاق الشماليين للجنوبيين ، إلّا أنها قالت إن عملية التعويض Reparation استفادت منها الوالدات لأن ضباط حركة قرنق يطلبون منهن جلب أبنائهن لمكان عملية ” التحرير ” ويتقاضين مبلغاً زهيداً لقاء ذلك. وكررت ما أورده المذيع دان راذر في برنامج 60 Minutes الشهير ، والذي قال فيه القس الكاثوليكي الإيطالي ماريو ريڤا Mario Riva أن عملية تبادل المال لقاء تسليم العبيد مسرحية مصطنعة وأنه يعلم الكيفية التي يُجمع بها الشباب / العبيد لتمثيل عملية تحريرهم المفبركة ، وقال لواشنطن بوست أن العملية في معظمها خدعة “ Many times it’s a trick “.
القسيس ماريو ريڤا من النصارى أهل الكتاب الذين أنصفهم القرآن وذكر أنهم ليسوا سواء ، ففيهم الصادقون مثل ماريو ريڤا وفيهم أمثال جون ابنر والبارونة كوكس . وهذان أقل سوءا.ً
من شيوعيينا الذين في أميركا أو عرمان ويوسف كوة والحلو الذين شاركوا في كل هذا التدليس والافتراء – وهم في صفوف حركة قرنق – ضد أهلهم وأعانوا عليه . هؤلاء لم يسكتوا على الكذب والتدليس ضد بلدهم ، هؤلاء كانوا مشاركين وأحياناً مبادرين به .
قامت الشيوعية على تفسير كل تاريخ وحاضر ومستقبل البشرية على عامل واحد وهو العامل الاقتصادى. وهذا خَطل استبان ، وانهارت الشيوعية. فالشيوعيون الآن بلا فكرة وبلا رؤية ، وأصبح مشروعهم الآن يقوم على تنفيذ البرنامج الغربي المستهدف للثقافة العربية الاسلامية وقيمها. وعندهم فالغاية تبرر الوسيلة. وسيلتهم الآن الكذب يمارسونه عبر منظمات : ” سيما ” ومنظمة ” لا لقهر النساء ” ومنظمة ” داليا الروبي ” ومنظمة ” صيحة النسوية ” و سواها . وهو كذب مَرَضِي ، حده السماء sky is the limit . منظمات تفبرك التقارير للغرب في الاتجاه الذي يرضيه . وعبر هذا الكذب تأتيهم الأموال . فالحزب الآن أقوي أكاديمية تُدَرّس الكذب بواسطة كبار الحزب وتُخرّج كذابين. أنا لا أسُبّ أحداً ، فقط أقرر الحقائق كما هي .
مبلغ المائة مليون دولار الذي أعلنته نائبة مدير وكالة المعونة الأمريكية أخيراً ، ليس الأول ولن يكون الأخير . وإن لم يتم التصدي لمنظمات الكذب والعمالة والإرتزاق فلا تأسينّ على فساد أخلاق الشعب السوداني وخاصة شبابه .
دكتور ياسر أبّشر عبدالمجيد