الخرطوم : الرآية نيوز
دكتور ياسر أبّشر عبد المجيد يكتب :
صناعة ثورة الندامة (5)
في 20 يوليو 2021م اعتقلت السلطات الأمريكية رجل الأعمال الأميركي توم برّاك «Tom Barrack» وهو أحد أصدقاء الرئيس ترامب ومدير لبعض أعماله، واتهمته قائلةً له: لقد جئت شيئاً نُكْرَا!!
جريمة «توم باراك» أنه كان يعمل من أجل مصالح الإمارات ويسعى للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية في هذا الاتجاه دون علم السلطات!!! هذا علماً بأن أميركا لم تتضرر من فعله ذاك. ولكن القانون يقول: إذا أراد أي أميركي أن يساعد دولة أخرى، فيَتَوَجّبُ عليه إبلاغ السلطات، وتسجيل نفسه رسمياً في وزارة العدل الأمريكية لوبييست «Lobbyist» لتلك الدولة، وإلّا شَكّل فعله جريمةً يعاقب عليها القانون بالسَّجن.
وكذلك تفعل كل البلاد التي تحترم نفسها.
أمّا في بلدنا نحن فقد بلغ الانحدار قاعاً غَدَا فيه عضو مجلس السيادة محمد الفكي يتفاخر بأن لجنته لها صلات مع دول وأجهزة استخبارات أجنبية!!
ونكرة أخرى لم نسمع بها إلّا بعد (الثورة المجيدة) تتباهى بطرقها أبواب السفارات، ويؤكد أنهم سيذهبون إليها «سفارة سفارة»!!!
وستطول القائمة إن عَدّدنا أسماء عملاء السفارات والأحزاب وقياديي قوى الحرية والتغيير «قحت» الذين يتزلّفون إلى السفارات ويقتاتون من مالها الحرام.
سبق أن أوردت ما قاله عضو مجلس العموم البريطاني المشهور بتمرده على الملأ «The stablishment» من قومه ، وذلك حين ناقش معه مسؤول سوداني تغاضي حكومة بلاده عن تزوير شهادات اللجوء لبعض السودانيين، فقال: إنه يعلم أن حكومته تعلم، لكنها «تجهز كرزاياتها لكم»:
«They are preparing their Karazai for you »
وبالفعل فقد أجْلَبُوا علينا بخيلهم ورَجْلِهم وكرزاياتهم!!
ولإحكام الرقابة على الكرزايات المرسلين من بريطانيا ورعاية وتوجيه تحركاتهم وفق الخطة، أوكلت بريطانيا الأمر للسفيرة «روزالندا مارسدن» التي كانت ممثل الاتحاد الأوروبي بالسودان (2010 – 2013م)، وكانت من قبل سفيرة بريطانيا في أفغانستان (2003 – 2006م).. وهي مثال للخارجية البريطانية من حيث هَوَسِهَا بالإسلاموفوبيا.. وتشرف على منظمة بريطانية مشبوهة كانت تعمل في دارفور، اسمها «أطفال من أجل أطفال Kids for Kids»، تجمع الأموال من أطفال بريطانيا بحجة توزيعها على أطفال دارفور!!
ودعت «روزالندا» السودان بمواجد. ففي لقائها الأخير بالبشير لوداعه لدى انتهاء مهمتها، جانبت «روزالندا» اللياقة التي درج السفراء على التحلي بها في لقاءات الوداع، فطفقت – بغطرسة – تَعِظ البشير وتَتَوَعّده، فاستشاط فيها غضباً، وحدثها عن تاريخ بريطانيا الاستعماري الظالم، وقال لها: إن أول من شرع الظلم في السودان كان هو الحاكم العام البريطاني، الذي كان يحكم من مكتبي هذا.. و«صرف لها بركاوي» على حد تعبيره.
غادرت روزالندا السودان وهي تَمَيّز من الغيظ . وفي لندن وبعد أن أن ضُمّت لتشتم هاوس Chatham House كزميلة مشاركة في برنامج أفريقيا . وفي الحقيقة متفرغة لتغيير نظام البشير ، نظمت عدداً من الاجتماعات لهذا الغرض ، أشهرها ذلك الذي جمعت له كل معارضٍ له في 22 مارس 2018 .ورغم أنه عُقد وفقاً لقاعدة تشاتم هاوس إلّا أن بعض الحضور تحدّثواً !!!
وعادت «روزالندا» الآن بكل الكراهية، تدفعها رغبة عارمة بالانتقام.
روزالندا» الآن تتولى متابعة عمل البعثة الأممية التي جاء بها حمدوك، وتتابع ضروب نشاط أحزاب قحت والحزب الشيوعي وتلتقيهم بصورة متواصلة، تستمع منهم وتوجههم.
وتتابع عمل المنظمات التي يعمل عبرها الكرازايات، وتمولها وزارة التنمية الدولية البريطانية .
ومن كان يعتقد أن بريطانيا وكل الدول الغربية تعمل من أجل تحقيق ديمقراطية حقيقية في السودان فلينظر إلى مدى قوة علاقة بريطانيا بدكتاتوريات ممالك السعودية والإمارات، حيث تعتبر كلمة «ديمقراطية» عبارة بذيئة لا ينطقها إلّا السفهاء!! وكلمة «حرية سياسية» من ألفاظ العاهرات ، ثم لينظر شمالاً حيث يسجن السيسي 60 ألفاً من أنصار مرسي الرئيس المنتخب!!
لكن المسموح به لنا بل المفضّل لدى «روزلندا» وبلادها فهي الحرية الاجتماعية المطلقة، بلواطها (يمكنك التغطية على فُحْش الفعل باستخدام كلمة مثلية حتى لا تجرح المشاعر الرقيقة للسدوميين)!!!
ومسموح ومفضل لنا الحرية الجنسية، وهي ما نسميه نحن المتخلفون «زِنَا»!!
وكذلك فصل الدين عن الدولة تماماً، رغم أنه غير مفصول عن الدولة تماماً في بريطانيا.
وعلى هذا الخط ينبغي أن تختط المنظمات الـمُمَوّلة خططها وبرامجها لإحداث تغيير قِيَمِي ثقافي كامل، وليس مطلوباً منها أن تراقب انتهاكات حقوق الإنسان لغير المتمسحين بالأعتاب الغربية، فهؤلاء ليسوا من بني الإنسان!!
بريطانيا نموذج غربي لكراهية كل الوطنيين. ابتدأت ذلك بالإطاحة، بتنسيق مع «CIA»، برئيس وزراء إيران المنتخب محمد مصدق في 1953.
وانقلبت «CIA» على الليندي «Allende – تنطق آيندي” في 1973م.
كل من المثالين أعلاه كانوا من الوطنيين.
ولأن الإسلاميين من الوطنيين، ولم تعهد فيهم عمالة، فقد انطبقت عليهم كراهيتان: كراهية الإسلام وكراهية الوطنية.
الإسلاميون بكافة أطيافهم غير مرغوب فيهم لدى الغربيين الاستعماريين، فهم لا يخضعون للإملاءات بالعمالة، ويرفضون ضروب انحطاط الثقافة الغربية بالتمسك بالقيم الإسلامية، ومن ثَم فهؤلاء عقبة ينبغي أن تُزال أو أن تُقْصَى جانباً.
وخير من ينجز تلك المهمة الـمُخْزِية بإعلام التلفيق والكذب، هم هؤلاء العملاء من العلمانيين؛ لأنهم في مجتمعنا السوداني استأثروا بالدّرْك الأسفل مكانةً.. بالله استعرضوهم واحداً واحداً لتتأكدوا من صواب تقييمي.
وهكذا – وكما قال «جيس بالدوين» – فإن «أخطر ما يخلقه أي مجتمع هو الإنسان الذي ليس لديه ما يخسره»
وبالفعل، هؤلاء العملاء من العلمانيين، هم كما وصفهم عبد الباري عطوان بأنهم – والعراقيين – أحقر معارضة؛ لأنها لا تتورع من خيانة وطنها وبيعه كاملاً للأجنبي.
أفزعتني حادثة مريعة حقيقية لطفل سوداني في أوائل سِنِيِّ دراسته الابتدائية. ذلك أنه سأل والده: «بابا: ……. أمك يعني شنو»؟! ذُهِل الوالد وحزن وهو الذي يبذل كل خلجة في فؤاده ليُحسِن تربية أبنائه، وقال للطفل: «دي كلمة كعبة تاني ما تقولها أبدا»ً.. فرد الطفل بكل براءته «لكن ليه ….. كل الأولاد في المدرسة بقولوها؟ والليلة جاري في الفصل قال لي ……. أمك»!!
لعلكم رأيتم فتيات ممن ربتهم «قحت» يرفعن لافتات فيها أحط وأبذأ العبارات في الشارع العام، ويجري تصويرهن!!
ولعلكم سمعتم أقذر الكلمات من بنات وأولاد حتى في نقل (الجزيرة) للمظاهرات!!
أنا على قناعة أن هذا جزء لا يتجزأ من مكيدة استهداف الثقافة وازدراء قيمنا الرفيعة، التي كُلّف بها العملاء الذين يسعدون بنقل قاذورات سادتهم إلينا. هل سمعتموهم يستنكرون هذه البذاءة على فتياتهم وفتيانهم؟؟
وفي الغرب نسمع تلك العبارات البذيئة يرددها الآباء والأمهات، ويبادل ترديدها لهم أطفالهم، ولا يجدون في ذلك حرجاً!!
وهذا مجرد قمة جبل جليد الانحطاط البديل الذي نُساقُ إليه.
عملاء منظماتهم لدينا نِيطَت بهم هذه المهمة. فقد طور الاستعمار أدواته ووسائله، وأصبح الاستلاب الثقافي يحظى بالأولوية.
ولذا يحرص المبعوث الأمريكي «فولكر» و«روزالندا» على ما يسمونها «منظمات المجتمع المدني» ويحرصون على أحزاب ما سُمّي «أربعة طويلة» والحزب الشيوعي وحزب الأمة جناح مريم، فقد أنفقوا عليها المليارات، كما قال «كاميرون هدسون».
قال الزعيم الغاني الراحل أحمد سيكيتوري:
«حين يُشيد بك المستعمر فهذا يعني أنك سيئ لشعبك. وحين يقولون إنك سيئ، فهذا يعني أنك تعمل لمصلحة شعبك وفي اليوم الذي يقولون إنني رجل صالح، فهذا يعني أنني خنتكم»
نواصل إن شاء الله
دكتور ياسر أبّشر عبد المجيد
——————————————
17 فبراير 2022