الخرطوم : الرآية نيوز
إبراهيم عثمان يكتب :
بنفاق الغوص تعرفونهم !
يتهم العلمانيون الإسلاميين بالنفاق وعدم الالتزام بالشريعة الإسلامية التي يناصرونها، وبالمقابل يتهم الإسلاميون العلمانيين بالنفاق لرفضهم الشريعة، ولتطابق مواقفهم مع مواقف منافقي صدر الإسلام .. وهكذا تختلف إجابات الطرفين عن السؤال : أيهما مظنة التمسك بصالح القيم والأخلاق والسلوك والسلامة من النفاق أكثر من غيرهم، رافضو الشريعة أم مؤيدوها ؟
الإجابة الصحيحة واضحة، والقول بعكسها يساوي القول بأن تأييد الشريعة يفسد الناس ! .. نعم الإجابة بديهية بداهة الإجابة على السؤال : أيهما مظنة التمسك الحقيقي، غير النفاقي، بالعلمانية وموقفها من الدين وشرائعه أكثر من غيرهم، وبالتالي أكثر تمرداً على “قيود” الحرام الديني، العلمانيون أم الإسلاميون ؟ فأي إجابة غير البديهية التي تقول بأن أهل العلمانية أقرب إلى التمسك بها من خصومها تعادل القول بأن العلمانية تجعل الناس أكثر تمسكاً بالشريعة ! وبالجملة فإن الإجابتين المناقضتين للبداهة تعادلان القول بأن أهل أي دعوة أبعد عنها من خصومها !
دعونا من إكمال هذا النقاش، فالبعض ليس لديهم مشكلة في لي أعناق البداهات، وربما لن يجدي معهم هذا النوع من النقاش ، ولنستخلص الإجابات *المتفق عليها* من هذه الحالات الواقعية، أي حالات الغوص المتبادل، والتي تكررت عدة مرات بأشكال مختلفة، فهي ، بما تفرضه من سلوك، تقدم الإجابة الصحيحة التي لا يستطيع حتى المكابرون المغالطة في صحتها :
لكي يقوم العلماني بغوص ناجح داخل حزب إسلامي، عليه أن يتشبه بالغالب عند أعضائه .. وحتى يبعد عنه أي شكوك، ويضمن الترقي من أجل الوصول إلى المواقع التي تجعل الغوص مجدياً، فإنه يحتاج إلى هذا النوع من التشبه/التقية/النفاق . ( وهذه ليست مجرد توقعات أو افتراضات، بل هناك حوادث مشهورة لاكتشاف غواصات علمانية كانت هذه هي خطواتها لإحكام الغوص ) :
– أن يتخلص من سمت العلمانيين، في المظهر والسلوك ليبدو أكثر محافظةً والتزاماً بهدي الدين، وأكثر استقامةً وبعداً عن شبهات الانحراف السلوكي، وأن يبدو أمام “إخوانه” مسلماً مستقيماً وغيوراً على الدين والقيم والأخلاق ..
– أن يلتزم بالفرائض ويكثر من النوافل بما يزيد عن الغالب عند العلمانيين، حتى إن لم يكن من الملتزمين بها قبل الغوص .
– أن يظهر التورع عن كل أنواع الحرام، وأن يهتم بهذا الأمر اهتماماً زائداً حتى يقنع الحزب الإسلامي بأن استقامته متينة يصدقها المنظر والمخبر، وتثبتها الأقوال والأفعال، ولا رياء فيها ولا سمعة ولا نفاق .
– أن يحفظ من القرآن الكريم ما يزيد عن الغالب المعتاد عند العلمانيين، ومن الأحاديث النبوية كذلك، وأن يتعلم ما يؤهله لإمامة الصلاة وارتجال الخطب، وغير ذلك مما لم يكن يحسنه .
– أن يؤسس نفسه معرفياً في علوم الدين بما يزيد عن تلك المعارف القديمة التي كانت تركز على المطاعن والشبهات والدعوة المضادة، وبما يساوي – أو يزيد عن – المتوسط العام عند أقرانه في هذا الحزب الإسلامي .
– أن يمارس “حرياته العلمانية” بمنتهى السرية، إن كان من ممارسيها قبل الغوص ولم يستطع التخلص منها من أجل المهمة التي أنتُدِب لها .
وبالمقابل يمكن توقع نوع التقية/النفاق الذي يحتاجه الإسلامي الذي يغوص داخل حزب علماني، ونوع التغييرات التي يحتاجها، وما يجب عليه أن يظهره ليثبت أصالته في العلمانية، وما يجب عليه أن يخفيه حتى يتجنب الشكوك .
▪️الذي يحتاج منهما إلى عبادة زائدة عما أعتاده قبل الغوص، ويحتاج إلى إظهار مواقف إيجابية من الإسلام والشريعة تخالف قناعاته الحقيقية هو الأقرب إلى النفاق بمعناه الحقيقي .
▪️نوع السلوك المطلوب في الحالتين يكشف بوضوح تام غير قابل للدغمسة والتغبيش الحكم الحقيقي لكل من الرجلين على الجماعة التي غاص فيها . وهو الحكم الذي لا يتأثر بالإدعاءات والافتراضات، أو سوء الفهم، أو التحامل، أو الغرض أوالهوى، أو الأحكام المسبقة، بل هو الحكم الحقيقي اليقيني الذي يبني عليه الغائص سلامته ونجاح غوصه .
▪️لا يضمن الغائص سلامته ونجاح غوصه إلا إذا تطابق حكمه مع الحكم الذي يسلِّم به الطرف الآخر بحيث تشكِّل حالات الغوص المتبادلة اتفاقاً حقيقياً بين الطرفين المتنافسين على الحكم على بعضهما البعض . فالعلماني لن يتشدد في إظهار الاستقامة في الأقوال والأفعال إن كان على قناعة حقيقية بأن من غاص فيهم منافقون، والإسلامي لن يخفي بعض عبادته، ويظهر بشكل أكثر “تحرراً” إن كان على قناعة حقيقية بأن العلمانيين أهل تقوى واستقامة وصلاح .
إبراهيم عثمان