الخرطوم : الرآية نيوز
إبراهيم عثمان يكتب :
جوع لي جوع أخير بي عِزَّة
بذلت قحت في فترة حكمها مجهودات كبيرة لإحداث ( paradigm shift ) يكسر الإطار العقلي الذي يحكم نظرتنا وتعاملنا مع عدد من الأمور المهمة، من أهمها هذه الخمسة :
١/ كسر القالب الطبيعي في الموقف من، الحكام، لينتقل الناس من حالة المراقبة والانتقاد والمحاسبة، إلى حالة التسليم والشكر والامتنان، وقد وصل الأمر إلى شن حملة مكثفة ضد الأستاذ عثمان ميرغني، لأنه، في رأيهم، قد أجرى مقابلة مع د. حمدوك خرج في بعض أسئلتها عن هذا الخط العام !
٢/ وكسر القالب الطبيعي في النظر إلى الجوع كشئ لا يمكن أن يغفره الناس للحكام، والانتقال إلى القبول به (الجوع ولا الكيزان)، وبروشتة البنك الدولي وقرارات رفع الدعم، وزيادة الأسعار عامةً، وزيادة الجمارك والضرائب والرسوم الحكومية كخطوات عظيمة نحو رفع المعاناة والعبور !
٣/ كسر القالب الطبيعي في النظر إلى الشذوذ العلماني فيما يخص الإلحاد وتفكيك الأسرة، و”تحرر” المرأة والتعري والزنا والدعارة والمثلية والربا والخمور .. إلخ . وقد ركزت حكومة قحت في تعديلاتها القانونية وفي سياساتها على هذه الجوانب .
٤/ / كسر القالب الطبيعي للموقف من التدخلات الخارجية بواسطة السفارات، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، و”السادة الأمريكان” كما يسميهم الناطق باسم قحت الأستاذ جعفر حسن، وقبل أيام هدد الحاج وراق – في أجواء من السخرية والضحك والشماتة – بقوات أممية بتفويض تحت البند السابع إن تعرض فولكر للمضايقة وابتعد !
٥/ كسر القالب الطبيعي في النظر إلى العقوبات الدولية لكي يُنظَر إليها كوقفة من الدول المعاقِبة مع الشعب السوداني، وكنشاط نضالي رفيع وبنَّاء ومشرف من أحزاب قحت لا تحتاج معه إلى اعتذار، بل تستحق الشكر عليه، وعلى رفع العقوبات أياً كان الثمن المدفوع أيام العقوبات، أو الأثمان المدفوعة لرفعها، وتستحقه إن احتاجت لهذا النوع من النشاط النضالي البناء مرة أخرى !
بعد الخروج من السلطة واصلت قحت دعمها لثلاثة من هذه التغييرات الجذرية المخالفة للفطرة وللوجدان السليم، لكنها اضطرت إلى تغيير مواقفها بخصوص اثنين منها : الموقف من الحكام، ليحدث الانتقال من الشكر إلى الانتقاد الكاسح، والموقف من زيادة الأسعار ليحدث الانتقال من الصمت أو الشكر إلى كثرة الشكوى ..
وكانت بعد السقوط قد احتاجت قبل الشروع في التغيير بخصوص الأسعار إلى فاصل زماني معقول لأن زيادة الأسعار ارتبطت في أذهان الناس بقحت وبسياساتها ولم تكن تستطيع انتقادها فور خروجها من السلطة، وإلى فاصل علفي تمثَّل في الاستفادة مما حدث من انخفاض طفيف في أسعار بعض السلع في الأيام التي تلت قرارات أكتوبر لدعم فكرة الشماعة، عبر الترويج لفكرة أن ما حدث من انخفاض في بعض الأسعار يثبت أن حكومتهم كانت تتعرض لخطة تفشيل ممنهجة !
والآن يجمعون بين الشكوى من ارتفاع الأسعار والاحتفالات بانخفاضها بزعم أن هناك انخفاض ناتج من الحصار والعقوبات السودانية القحتية على مصر !
إذا عادت قحت غداً إلى السلطة فالمؤكد أنها ستعيد تفعيل البندين اللذين عطلتهما مؤقتاً لأسباب أنانية خالصة، الأمر الذي يجعلها أكثر استحقاقاً لشعار معاكس لشعارها البائس الذي سوَّقت به للجوع الذي صنعته، ويحق للناس، كل الناس، أن يقولوا ( الجوع ولا القحط الشامل)، فالبلدان الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها، وقحت كانت تقول بالعكس، فلم تقدم شيئاً سوى الجمع بين الجوع وتضييع شرف البلد والقحط المادي والمعنوي الذي ضرب كل الأشياء والمعاني … جوع لي جوع أخير بي عِزَّة .
إبراهيم عثمان