الخرطوم : الرآية نيوز
إبراهيم عثمان يكتب :
التصلب في زمن السيولة
فارق الشعار المتصلب ( لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية ) مضمونه منذ لحظة إطلاقه، واكتسب صفة السيولة.
فمطلب قحت الأول الذي واكب اطلاق الشعار العدمي كان هو التشديد على العودة بالوضع إلى ما قبل قرارات أكتوبر ، وتفعيل الوثيقة الدستورية بكافة موادها، الأمر الذي يعني التسييل الكامل للشعار المتصلب، وتغيير موضوع التصلب ليصبح تصلباً في التمسك بحصيلة التفاوض القديم، واستئناف الشراكة، والاعتراف بالشرعية !
الأستاذ الحاج وراق الذي يقدم نفسه كضمير قحت صاحب الحساسية الأخلاقية، انتبه إلى الحرج الأخلاقي أمام قواعد قحت نتيجة تسييل الشعار، لكنه، وبضمير مكتمل القحطنة، وبفهلوة عُرِفت عنه، صادق على كل ما تقوم به قحت، وأخبرها بألا حرج هناك، فالسيد فولكر يقوم مقام الممسحة الأخلاقية التي تزيل كل ما يعلق بثوب قحت في نظر قواعدها، فهو، لا قحت، من يتولى أمر التفاوض !
إن كان التفاوض يتسبب في حرج أخلاقي حقيقي، فإن الوساطة لا ترفعه بأي درجة، لأن التفاوض بين المختلفين يبدأ عادةً بوساطات، وهذا كان حال قحت نفسها في بداية مفاوضات الشراكة الأولى. ثم إن الشعار ثلاثي، فماذا عن الشراكة ؟ والتفاوض – إن نجح – سيفضي إلى شكل من أشكالها حتماً، كيف يمكن استخدام ممسحة فولكر الأخلاقية لرفع هذا الحرج ؟ هل ستجد قحت طريقاً لشراكة غير مباشرة مثلاً ؟ وهي التي رفضت اتفاق حمدوك الذي مثل لها شكلاً من أشكال الشراكة غير المباشرة، حيث اعتمد حمدوك في غالب تعييناته للوزراء والولاة المكلفين على عناصر قحت .
بجانب فولكر اعتمدت قحت ، من أجل رفع الحرج، على لعبة تبادل الأدوار، وأوكلت لحزب الأمة الدور الأكبر في هذه اللعبة، بالتواصل مع المكون العسكري، وبالحوار مع بعض الأحزاب خارج قحت. كحواره مع المؤتمر الشعبي، وقد أكد أن ( المجلس المركزي، ولجان المقاومة، والميثاق الوطني، بجانب حزب المؤتمر الشعبي توصلوا لاتفاق لإخراج البلاد من الوضع المتأزم )، وهو الاتفاق الذي أكد م. عادل خلف الله أنه يخص حزب الأمة و ( لم يترتب على ذلك تبعات تحسب على الحرية والتغيير ) . وهذا يكشف المزيد عن حالة السيولة والتضارب والإخراج السئ للعبة تبادل الأدوار .
كلمات “تبعات” و”تُحسَب على” لم تأتِ هنا عفواً، فعين البعث، وبقية أحزاب قحت العلمانية الصغيرة، على الراستات الذين شحنتهم بالمواقف المتطرفة ضد الأحزاب خارج قحت، لا سيما الإسلامية، وقلقهم الأكبر من استغلال الشيوعي لهذه “التنازلات” في المزيد من تجيير الراستات لصالحه، أما حزب الأمة فيعتقد أن لديه شارعه المنفصل ولذلك لا يساوره ذات القلق بذات الدرجة .
في رأيي لا غرابة في هذه الفوضى وهذه السيولة التي تشمل حتى شعارات التصلب ، ولا أعتقد أن هناك من يستغربها فالشعب يتابع منذ ثلاث سنوات ملهاة التمسح بالمبادئ في زمن بيعها بالجملة، وأحاديث العودة بعزة وكرامة إلى العالم في زمن جلبه إلى الداخل شريكاً في القرار ودافعاً لرواتب كبار المسؤولين، ووعود العبور في زمن التراجع السريع، وإدعاءات ملكية الشارع في زمن الرعب من الانتخابات .
إبراهيم عثمان