الخرطوم : الرآية نيوز
هشام الشواني يكتب :
النسوية المظلمة أخلاقيا وحالة الفضائحية
في عصور التشتت والضياع والانتقال الكبير تعتري المجتمع نزعات تفكك قوية، تعبر عنها تيارات أفكار تفرض نفسها بقوة، فتدفع المجتمع نحو مزيد من التفكك والتفسخ.
اليوم تيارات الأفكار هذه هي تيارات غير أصيلة، وغير واعية لأنها نزعة ناتجة عن شروط هيمنة ثقافية غربية، وهي هيمنة تتصف بالشمول والعمومية بمعنى أنها تتجاوز مجال الأفكار لتصبح تيار اجتماعي وظاهرة نفسية خفية كامنة وراء عديد من المظاهر والسلوكيات التي قد تبدو عادية.
تيار النسوية اليوم وفي سياقنا السوداني يمثل جزء رئيس من تيارات التفكك والتحلل الاجتماعي.
في أوكرانيا هناك حركة نسوية متطرفة تسمي نفسها femen وتتبنى هذه الحركة أساليب التعري لإثارة انتباه الإعلام، وشعارها هو الثدي العاري حيث تتعرى ناشطات المجموعة عن عمد في الفضاء العام والميادين العامة من أجل لفت الانتباه. هذه الحركة المتطرفة نموذج جيد لشرح طبيعة هذا التيار الاجتماعي المعاصر.
هناك ثلاث عناصر مهمة للتحليل هي:
١- الشكل.
٢-نطاق التأثير.
٣-المحتوى.
الشكل هو الأسلوب المتبع للعمل، ونطاق التأثير هو المجال الذي تتحرك فيه الرسالة المراد حملها، والمحتوى هو مضمون الرسالة. في حالة المنظمة النسوية الأوكرانية femen فالشكل المتبع هو التعري للفت الانتباه. وهنا نتوقف قليلا لنقول: لفت الانتباه هو المهم، والإثارة هي الغاية.
نطاق التأثير هو كل نطاق تأثير عولمي للسوشيال ميديا وهو نطاق يتمدد ليصبح عابر للحدود الثقافية.
وأخيرا المحتوى هو محتوى نسوي احتجاجي ليبرالي، محتوى يعبر عن حزمة حقوق المثلية وكراهية القيم المحافظة، ووصمها بالظلم وكراهية الدين. تخرج (غريبة الأطوار النسوية) لتتعرى وتكشف جسدها المليء بالوشوم الغريبة وتهتف ضد الجميع !!
بتحليل عناصر الشكل والنطاق والمحتوى نجد شيء واحد فقط هو المهم، وهو الأكثر جوهرية من غيره. وهذا الشيء هو (الشكل).
فالشكل يقوم على منطق الإثارة، والذي يحدد بدوره نطاق التأثير وسعة مداه، والشكل نفسه هو الذي يفرض على المحتوى سمات محددة لا يستطيع المحتوى تجاوزها. مثلا على المحتوى أن يتسم بالسطحية والاختزال والبساطة والفضائحية، عليه وأن يكون مثيرا وملفتا للانتباه لأقصى حد ممكن.
هنا فالسودان دولة متأثرة بهذه التحولات العاصفة، والمجتمع يتفسخ يوما بعد يوم، والقيم القديمة تختفي والبديل ضياع وعتمة وقيم أخلاقية مظلمة. أنانية،تبطل،تسكع، فردانية لا أخلاقية،غياب الشهامة والفضيلة،تمدد ثقافة الانتهازية والوصولية والفضائحية والنفاق.حالة التفسخ هذه حالة ثقافية اجتماعية ناتجة عن واقع اقتصادي سياسي متزامن مع أزمة روحية عميقة، المجتمع خاضع للتبعية المطلقة لمركز التأثير الغربي، وخاضع لموجات العولمة وثقافتها، هذا الواقع هو واقع مجتمع مستهلك لأدوات الغرب والحداثة ومتأثر بها وفي ذات الوقت يعاني من تناقضات داخلية وصراعات ضخمة ورهيبة، الضمير الأخلاقي الجمعي مصاب بالعطب، والبديل هو: اللابديل، والظلمة الأخلاقية، والتفكك اللانهائي.
في ظل هذه الظروف العامة تكون النسوية التيار الأكثر تمثيلا لهذه الحالة المرضية، هي العرض الأوضح للأمراض التي تعتري مجتمعاتنا. فالنسوية هنا ليست فكرة مجردة ولا فلسفة ولا حتى خيار واعي. هي نزعة مرضية ولوثة ثقافية تملأ عقول بعض النساء وقلة من الرجال الغرباء في المجتمع. هؤلاء مستهلكون مقلدون للغرب، لا يميزون بين السياقات، ولا يملكون قدرة على النظر الكلي للمجتمع، ثم هم لا يملكون رهافة الحس السليم لمعرفة صوت العذابات الكبيرة والضخمة التي يئن من خلالها المجتمع وهو يعاني في تفككه وتفسخه وفقره وبؤسه وصراعاته السياسية. النسوية تيار ونزعة trend خاضعة لنفس العوامل التي ذكرناها حول مجتمع التبعية والهيمنة الغربية، ويتمدد عبر زيادة المشكلات الاجتماعية لكنه تيار بلا أي أفق أخلاقي أو روحي، وهو عقبة أمام علاقات سليمة بين الرجال والنساء، وعقبة أمام التطور والنهضة الحقيقية لمجتمعنا رجال ونساء.
إذا قمنا بتحليل ما تقوم به بعض النسويات السودانيات من غريبات الأطوار في الميديا سنجد الآتي:
من حيث الشكل يبحثن اليوم عن أكثر القضايا إثارة للرأي العام عبر العولمة ووسائل التواصل.
اليوم نجدهن يبحثن عن الإثارة الكامنة في الفضائح، بالأمس بحثن عن أكثر الجرائم شذوذا.
إنهن يتحركن وفق (نزعة فضائحية) لا نهائية وذلك فقط من أجل الإثارة. السؤال هنا: هل يتحركن بوعي منهن بقضية كبيرة وأخلاقية؟ الإجابة واضحة وهي: لا. هن يتحركن بأعين مغمضة وعقول متبلدة وحس غير سليم، يقلدن حركات عالمية وتيارات عالمية ليست ذات صلة بواقعهن، ثم وبكل حالة التقليد الأعمى تلك يستخدمن ذات الأساليب الباحثة عن الإثارة، اليوم يبحثن عن الفضائح، وربما قريبا قد نجد بعض النسويات غريبات الأطوار يخرجن ليلا في حي برجوازي بأثداء عارية مثل تلك الحركة الأوكرانية المتطرفة!!
يا صديقي لتعلم : الإثارة هي الغاية فقط، والفضائحية نزعة من أجل الإثارة ولا تتصل أبدا بالسعي لحل مشكلة في الواقع.
النسوية اليوم من حيث نطاق التأثير فإنها تتحرك في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا شباب وشابات الجامعات.
وهنا قد يفكر بعضنا في أن الدعم المادي الضخم من سفارات غربية ومنظمات أوروبية سيعطي هذا التيار نطاق تأثير أكبر.
الإجابة نعم هذا التصور صحيح ولكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، فالجوهري هو أن النسوية متصلة بالهيمنة الثقافية الغربية الليبرالية، ومتصلة بأساليب تأثير إعلامي ضخم وعالمي، أنظر معي مثلا لأفلام شبكة نتفلكس، ستجدها جميعا تدعم اتجاهات المثلية والنسوية وغرابة الأطوار، أنظر معي لقناة DW الالمانية مثلا، ولقنوات فرنسية أخرى.
بل حتى لسياسات فيسبوك وتويتر ستجدها لا تخلو من أساليب التأثير التي تدعم هذه الاتجاهات الليبرالية.
النسوية هنا هي في قلب (الاستعمار الثقافي) لمجتمعاتنا من قبل المركزية الغربية. أما النسوية من حيث المحتوى والرسالة المتضمنة في نزعة الفضائحية، فهي تقدم محتوى تافه، اختزالي، يستوفي شروط نزعة البحث عن الإثارة أيضا، محتوى تشهيري – يبحث عن أو يخلق – فضائح لبعض الأشخاص، أو لبعض الشخصيات السياسية العامة، المحتوى لا يخاطب حقا قضايا حقيقية ومشكلات اجتماعية مثل الزواج، الطلاق، الأخلاق الاجتماعية، التربية الاجتماعية…الخ فتلك قضايا اجتماعية تهم الذين يأخذون أمور المجتمع بجدية ورصانة. النسوية هي شيء غير ذلك، هي حالة تيار فوضوي، تفسخي، تفكيكي، تيار مزعج وسمج ومليء بالغباءات. لكنه للأسف سيجد ضالته في بضع من النسوة و بضع من الشباب، سيجد ضالته في شريحة مدينية غالبا برجوازية، لكنها تعاني من مشكلات اجتماعية وأزمة روحية كبيرة، هم وبسبب هشاشتهم النفسية وعجزهم العقلي لم يمتلكوا القدرة النفسية والفكرية لمواجهة الواقع. فصرن وصاروا منغمسين في هذا التيار بلا وعي ولا أصالة ولا إدراك، وبالطبع بينهن كثير من الراقصات اللأخلاقيات الباحثات عن الشهرة بأي طريقة ممكنة ومن ضمنها القصص المأساوية الغريبة.
نحن حقا أمام هراء ضخم غارق في التفاهة والغباء، لكنه مسنود بقوة شروط اجتماعية وثقافية وسياسية power of conditions. وعليه من أهم الجوانب الضرورية لمواجهة هذه النزعة أن نقوم بالآتي:-
١- فهم النسوية ونزعتها الفضائحية كتمظهر للأزمة وليست كجزء من الحل. والتمييز بين النساء والنسويات، فالأخيرات لسن نساء بالمعنى الحقيقي، بل هن كائنات جديدة كارهات للمجتمع.
٢- فهم صلة النسوية الجوهرية بالميديا، فنزعة الفضائحية هذه لا تتعلق أبدا بموقف أصيل تجاه مشكلة ما، جريمة ما، بل هي نزعة عولمية للميديا ووسائل التواصل. فالحديث الفضائحي مهم لمدة محدودة من الزمن، ثم سيتم نسيانه من أجل حدث فضائحي جديد.
٣- الإنتباه لطبيعة الشروط الشمولية والعمومية التي تستفيد منها النسوية، حيث نجد أفكارها وبرامج عملها التبسيطية شديدة الغباء قوية التأثير، نجدها مبثوثة في ثنايا تأثيرات الافلام السينمائية، مناهج التعليم الغربية، بل حتى في مسلسلات الأطفال وألعاب الفيديو.
هذه بعض من العناصر التي لو تنبه لها المجتمع، نساؤه ورجاله سنستطيع وضع تيارات غريبات الأطوار هذه في حدودها، مع مجمل تيارات الاستعمار الثقافي الأخرى، ثم لاحقا قد نستطيع معالجتهن بطرق أكثر لطفا وإنسانية.