سلمى بارود تكتب : هل أنت فعلا حرة ؟

السودان

الخرطوم : الرآية نيوز

سلمى بارود تكتب :

هل أنت فعلا حرة ؟

من الغريب أن تجليات بعض الأفعال والتي يزعم بأنها دليل على التحرر تكون عكس ذلك وان بعض المظاهر الدالة على الحرية في ظاهرها تبطن حقيقة مغايره تماما إذا تمعن الإنسان النظر فيها وتجاوز المعنى الظاهري، إن الحرية لدى معظم الناس يتم تضيقها في معنى لا يتعدى فكرة أن تعمل ما تريد وان تقول ما تريد أن تتخذ قراراتك كيفا أردت دون تدخل مانع وكل أشكال التمظهر لنقل السطحي لمفهوم الحرية والذي في الغالب يكون منطقيا غير موجود بالطريقة التي يروج لها منظروها وإلا أدى ذلك إلى فوضى واستحالة النظام معها، ويخفى عليهم أشكال أخرى للقهر هي غاية في الخطورة؛ اقصد هنا مثلا الاستعمار الفكري والثقافي، العولمة و حتى مثلا على نطاق العمارة الحديثة المتمثلة مثلا في تصميم المدن الحديثة والتي تحول بعض المساحات والمناظر العامة لتصبح حكرا على طبقات معينة كالشواطئ ومعظم المناطق السياحية والتي هي في أساسها مشترك عام وأمثلة أخرى متعددة! فهل يتم استيعاب كل هذه الأشكال وتسليط الضوء عليها عند الحديث عن الحرية ؟

إن المرأة كما الجميع بحثت دائما عن حريتها من منطلقات عدة حتى باتت فكرة تحرير المرأة فكرة تقوم عليها معظم الاتجاهات المهتمة والمتبنية لقضايا المرأة وأحوالها وتمحور جل الحديث حول تحريرها من قبضة الرجل ومن حكم المجتمع، ولكن تم النظر إلى هذه الجوانب نظرات قاصرة جعلت من الحلول مشاكل في حد ذاتها لم يتم تحرير ذات المرأة بل تم النقش على ما يحيط بتك الذات؛ فحين حاولوا تحريرها من الرجل خلقوا صراعا بينها وبينه ووضعوا عليها أعباء زائدة هي في غنى عنها ورسموا لها صورا محددة ومجالات معينة تكفل لها حريتها ثم جعلوها أسيرة تلك المؤسسات والاتجاهات، أما المجتمع فتم فصل المرأة منه وجعلها في مواجهة دائمة معه تحت مزاعم العلاج بالصدمة ولكن يبدوا أن الصدمة كانت زائدة عن الحد فصار المجتمع نفسه يتخلى عن نصرتها كل ذلك كان نتيجة حتمية للأسلوب المتبع الذي يجعل كل فصيل يبحث عن حريته منفصلا عن الأخر وعن كيان المجتمع، إذ أن مجموع الحريات ينقل الحرية لمعنى مختلف أو لنقل أسمى من مفهوم الحرية الفردية أو حتى الحرية القائمة على النوع لنقل. إن احد الجوانب التي تم الاشتغال عليها عبر فكرة الحرية نفسها أيضا هي جسد المرأة، قالوا لها أنها حرة في استخدام هذا الجسد كيفما شاءت وان تغطي هذا الجسد بما شاءت أيضا باعتبار أن ذلك هو تجسيد للحرية وتم استقبال هذه المقولات عندنا بحفاوة غير ناظرين إلى البعد الأخر للمسألة والى الهدف الذي يسعى له المنظر لهذه المقولات، ومن المستفيد فعليا من أن تنزع خصوصية الجسد عن المرأة ؟ وهل يمثل ذلك تحرير لمفهوم الجسد أم انه جعل من المرأة أسيرة للجسد لا تنظر إلى نفسها إلا عبره غير مشغولة إلا بمظهرها بشكل مسرف! إذا أمعنا النظر في الحقيقة نجد أن المستفيد الأول هو السوق ثم الرجل نفسه ونجد المرأة انتقلت إلى مركز أخر للقهر عبر إرغامها بشكل خفي على مجاراة الموضة ومعايير الجمال المفروضة والتمحور حول الجسد في الأخير.

إن الاستعمار الثقافي خصوصا للمرأة أصبح هو مصدر القهر الحقيقي، فتخيل أنهم استطاعوا أن يخضعوا مفهوم اللباس نفسه لثنائية التقدم والتخلف بمعنى أن المستعمر استطاع أن ينفذ إلى عقولنا اللاواعية وان يزرع فينا فكرة أن هنالك طريقة معينة من اللباس هي التي تصب في اتجاه التقدم وعلى النقيض هنالك أشكال معينة تدل على التخلف والرجعية وهي طبعا محاولة لجعلنا نسخة عنهم في الشكل باعتبارهم بالطبع هم أهل التقدم! وطبعا وضعوا اللباس الديني في خانة التخلف فعندهم كل ما يتعلق بالدين هو رجعية لا محالة ثم الحقوا ذلك بتغيير في النظر إلى الجمال ووضع معايير معينة المرأة باتت مضطرة إلى التماشي مع النظرة الجمالية المفروضة -فهي في فطرتها باحثة عن الجمال- في قهر واضح فهي لا تستطيع الانفكاك من هذه القاعدة حتى لو أرادت ذلك. ومن عجائب أمر العقل اللاواعي انك يمكن أن تغرس فيه أفكار قد تكون غاية في البطلان الذي إذا انتبه صاحبه لاستعجب من غفلته؛ لقد نسيت النساء أن DRESS CODE لا علاقة له بالتقدم والتخلف وأنها في الأساس دليل على الهوية وهو عبارة عن تجلي للدواخل ودليل على التفرد والثقافة وهو سلاح قوي ضد المد الاستعماري كما يخضع في النهاية هذا اللباس للفكر الذي يؤمن به صاحبه فيكون هو تعبيرا عن الفكر ؛ فلباس المسلم يجب أن يعبر عن بيئته وإسلامه على السواء.

أريد أن افرد مساحة للحديث عن مسألة أصبحت ملاحظة بشكل كبير لدى النساء وهي ظاهرة التخلي عن الحجاب، لا أريد الحديث هنا وان أجادل في فكرة فرض الحجاب على المسلم وإن كنت اعتبره فرضا بالطبع –اقصد بالحجاب هنا الاختمار حتى لا نقع في الجدل اللغوي- ولا أريد الحديث عن من لم يكن الحجاب جزء من لباسها في الأساس، إن الحديث هنا عن من كانوا ملتزمين بلبس الحجاب ثم تخلوا عنه دون ملاحظة.

تغيير في فكرهم ودينهم الذي يدينون به بصورة ظاهرية وهي موجة أصبحت زائدة بشكل كبير خصوصا في الفترة الأخيرة! و أريد هنا أولا أن أوجه سؤالا لكل مدعي تحرير المرأة هل يستطيعون النظر إلى ظاهرة مثل نزع الحجاب بطريقة جماعية كنوع من أنواع القهر وأنها ليست دليل على الحرية والتحرر في الحقيقة؟ و الأمر هنا غير متعلق بالدين فقط في الأساس بل بالثقافة والهوية المميزة لكل شعب والحجاب يمثل جزء من هذا الجانب الثقافي تواترا. إن خلع الحجاب نفسه غالبا ما يكون تدريجيا فقد تم تقديم نوع من الحجاب نص كم كما يقولون في البداية كتمهيد ثم ما يلبس الخمار أن يرجع إلى الخلف رويدا رويدا حتى يصبح في طي النسيان، و هذا الفعل غالبا لا ينتج كما ذكرت من تغير في الأفكار والقناعات على الأقل في العقل الواعي وإنما يتم تحت ضغط من مجتمع معين ذو مد ثقافي مسيطر يضع معايير معينة للجمال المدر غالبا للأموال بصورة ما ويجعل النساء يحسسن بان قيمتهن متعلقة بإظهار الشعر مثلا عبر تمويههن بوسائل مختلفة حتى أصبح من متطلبات العمل في كثير من المجالات، ووصلنا لدرجة أن العمل إذا كان من شروطه أن تلبس بطريقة معينة وان تخلع الحجاب فلن تمثل مشكلة عند معظم طالبي تحرير المرأة فعندهم التحرير لا يتجاوز تقليل الأقمشة الموضوعة على الجسد وفي المقابل تقوم القيامة إن حدث العكس ! كل ذلك تم التسويق له عبر المسلسلات والأفلام ووسائل الإعلام المختلفة حتى بات من الصعب على معظم النساء التمسك بالحجاب وعدم الركون إلى الضغط الممارس من اتجاهات عدة. وفي العموم تم فصل اللباس عن تمثيل الفكر بصورة واضحة.

أصبحت النساء يحسسن بجمالهن وقيمتهن وتقدمهن في مراتب الرقي من خلع الحجاب وفي العموم صارت المرأة تستمد قيمتها من الشكل والجسد وهي خاضعة تماما لما يملى عليها من معايير لم تصنعها بنفسها بل أرغمت عليها دون وعي وأصبحت خاضعة تماما لعبادة الجسد ومن ثم تم الاستفادة منها في السوق وتحويلها إلى اكبر مستهلك للمنتجات وهو الهدف الرئيسي الذي يغيب كثيرا عن عقول النساء، فلتسأل كل نفسها هل في الحقيقة هي حرة؟

الرآية نيوزاليوم العالمي للمرأهسلمى بارودهل أنت فعلا حرة ؟
تعليقات (0)
أضف تعليق