رصد : الرآية نيوز
فريق أول ركن حسن يحيى يكتب :
استراتيجية تحقيق الأمن الغذائي
التعريف المبسط للاستراتيجية هو(فن استخدام وتطوير ثروات وموارد وإمكانات الدولة من أجل تحقيق الأمن القومي). تحقيق الأمن القومي يحقق الغاية القومية العليا للدولة وتحقيق الغاية القومية العليا للدولة يعتبر مؤشراً قوياً على نجاح التخطيط الاستراتيجي للدولة.نجاح الاستراتيجية يعتمد على مدى إرتباط التخطيط الاستراتيجي بالبئة المحلية والإقليمية والدولية. التخطيط العادي يسعى للتنبؤ بالمستقبل أما التخطيط الاستراتيجي فإنه يسعى لتشكيل المستقبل من خلال بلورة تحقيق أهداف وطموحات كبرى لأنه يرتبط بالبئة العالمية على عكس التخطيط المحلي الذي يرتبط بالبئة المحلية. الاستراتيجية والأمن الوطني وجهان لعملة واحدة. غياب التخطيط الاستراتيجي وضعفه وضعف تنفيذه وضعف تحديد الاسبقيات والأولويات وغياب الإشراف والمراقبة والمتابعة وعدم وجود آليات للقياس والمعايرة وعدم الإرتباط بالبئة المحلية والدولية كل ذلك قاد لفشل الاستراتيجية القومية الشاملة للدولة والاستراتيجية الربع قرنية. التخطيط الاستراتيجي في الدول العربية حديث والسودان لم يعرف التخطيط الاستراتيجي إلا عن طريق الاستراتيجية القومية الشاملة. الدول المتقدمة حققت نهضتها عبر التخطيط الاستراتيجي. السودان بعد أن سلك التخطيط الاستراتيجي وصفته أمريكا بأنه اصبح يهدد أمنها القومي وسوف لا تسمح له بالإحتفاظ بأراضيه الشاسعة واستغلال ثرواته وموارده الضخمة بعد أن سلك سلوك الدول العظمى بإنتهاجه للتخطيط الاستراتيجي ومن هنا جاءت اتفاقية نيفاشا الكارثة. استراتيجية الأمن الغذائي وضحتها الأيات من(46-49) من سورة يوسف الجزء الثاني عشر التي أشارت الى المرتكزات الأساسية للأمن الغذائي وحصرتها في الزراعة والتخزين الاستراتيجي. الأيات ذهبت الى أبعد من ذلك حيث اوضحت طريقة التخزين السليمة بترك المحصول في سنبله حيث ثبت علمياً أن أول ما يفسد من المحصول هو مكان انفصال السنبلة. كذلك الأيات حددت استراتيجية تخزينية مدتها لا تقل عن سبع سنوات قبل 14 قرن من الزمان بينما نجد اليوم أن بعض السياسيين يتحدثون عن رزق اليوم باليوم!! ويرجع ذلك لاهمال العنصر المهم في عملية الأمن الغذائي وهو التخزين والذي بدونه يتعرض المحصول للتلف بواسطة الآفات والحرائق والتهريب إذا لم يجد المزارع سعراً مجزياً من البنك الزراعي خوفاً من أن يتعرض محصوله للتلف وسقود ذلك الى التهديد المباشر للأمن الغذائي للدولة. روسيا واوكرانيا تمثلان سلة غذاء العالم ولكن حربهما التي طالت سوف تؤثر في الأمن الغذائي العالمي وتقارير منظمة الفاو تشير الى حدوث مجاعة عالمية قبل نهاية هذا العام وأن 20 مليون سوداني سيعانون من المجاعة. السودان بأراضيه الشاسعة الخصبة الصالحة للزراعة وتوفر المياه وتعدد المناخات يمثل البديل الغذائي عن الدولتين. المطلوب الآن التحرك الفوري والسريع والفاعل لجلب استثمارات زراعية كبيرة عن طريق الشراكات الذكية مع بعض الدول العربية لتحقيق الأمن الغذائي العربي وليصبح السودان سلة لغذاء العالم. المتغيرات الحالية تساعد كثيراً في تحقيق النجاح إذا ما تم استغلال هذه السانحة والفرص الذهبية بذكاءً تام. روسيا واوكرانيا نجحتا في توفير الأمن الغذائي لمعظم دول العالم عن طريق التخزين الاستراتيجي وليس من الحقل مباشرة الى مواقع التصدير بل يتم التصدير من مستودعات تخزينية استراتيجية مما مكنهما من التوسع في الزراعة وتخزين المنتوج والتحكم في السوق العالمي لصالحهما. السودان لم يهتم بالتخزين الاستراتيجي لإنعدام مواعينه. تصريحات المسؤولين بأن المتوفر لهم من المواد البترولية والدواء والحبوب يكفي لمدة كذا يوم تمثل تلك التصريحات تهديداً مباشراً للأمن القومي السوداني حيث تظهر تلك التصريحات ضعف الأمن الغذائي للدولة الذي يمكن استغلاله بواسطة القوى الخارجية المعادية للدولة لتنفيذ أجندتها الخاصة حيث إن تصريحات المسؤولين تعتبر معلومات مؤكدة وصحيحة يمكن التخطيط على ضوئها. الحل الأمثل لتحقيق الأمن الغذائي هو الاهتمام بالمرتكزات الأساسية وهي تنمية وتطوير الزراعة والتصنيع الزراعي لتحقيق قيمة مضافة مع إنشاء المواعين التخزينية الاستراتيجية بمناطق الإنتاج والتصدير. التمويل الزراعي يمكن أن يتم عن طريق التمويل بالعجز لأنه تمويل يدعم الإنتاج ويمكن تغطية العجز بعائدات الإنتاج التي تمكن من تأمين الأمن الغذائي وتصدير الفائض لجلب العملة الصعبة لتغطية العجز. كما إن تمزيق فاتورة استيراد الغذاء يمثل دعماً كبيراً للاقتصاد الوطني. ظل موسم الحصاد عيداً قومياً يتم الاحتفال به سنوياً والسودان له تجارب ناجحة في زراعة القمح تشجع على التوسع في زراعته بتحقيق الأمن الغذائي كما حدث في منتصف التسعينيات عندما حقق السودان أمنه الغذائي من القمح وقدم فائض إنتاجه منحاً لبعض الدول المجاورة وهذا ما أغضب أمريكا. خلاصة القول: السودان بلد زراعي من الدرجة الأولي والزراعة بشقيها هي التي تقود الاقتصاد الوطني . تحتاج الزراعة فقط للتقانة الحديثة والتمويل الكافي المبكر لكل مدخلات الانتاج من وقود وتقاوي محسنة وسماد وخيش … الي ألخ . يتم توفير كل ذلك في الوقت المناسب والمحدد للزراعة وعن طريق التخزين الاستراتيجي المبكر يمكن مضاعفة الإنتاج وتحقيق الأمن العذائي في وقت قياسي وتوفير فائض للتصدير . الأمن الغذائي للدولة يرتبط إرتباط وثيقاً بالأمن القومي الدولي ومن هنا تبرز أهمية وضرورة بذل كل الجهود الممكنة لتحقيقه عبر التخطيط الاستراتيجي الممنهج طويل المدى. ختاماً: تحقيق الأمن الغذائي يتم عن طريق الاهتمام بمرتكزاته الأساسية التي تتمثل في تطوير وتنمية الزراعة والتصنيع الزراعي وإنشاء المواعين التخزينية الاستراتيجية بمناطق الإنتاج والتصدير عبر منظومة استراتيجة فاعلة وواضحة المعالم. وبالله التوفيق.