دكتور ياسر أبّشر يكتب : شرطة السودان

السودان

الخرطوم : الراية نيوز

دكتور ياسر أبّشر يكتب :

شرطة السودان

من بين العلوم التي درستها لدرجة الماجستير في أميركا ، واستفدت منها جداً ، واستمتعت بدراستها ، ولازال لها أثر في نظرتي لبعض الموضوعات الاجتماعية ، كان علم الجريمة Criminology . وإلى يومنا هذا أتابع وثائقيات مكتب التحقيقات الفدرالي ، وأشك أن شيئاً من تلك الوثائقيات فاتني. وظللت أتابع تطور  علم الطب الشرعي Forensic science ، الذي بلغ التطور والتحديث فيه في الغرب ، وخاصة أميركا ، شأواً بعيدا . وفرض التحديث تقسيمه إلى طب شرعي وراثي Foresic Genetic ، و الفحص الطبي الشرعي للأسنان Foresic Dental examination ، والكيمياء الشرعية Forensic Chemistry ، والقائمة تطول .

باستطاعتهم الآن اكتشاف نقطة دم واحدة للضحية في جدار طُلي بعد وقوع الجريمة ، برش الجدار بمادة كيميائية تسمو لومينول Luminol. وباستطاعتهم مطابقة عضة على جسم الضحية التي ماتت بعد مضى بضعة أيام ، مع عضة أسنان متهم ، ده عنك ما فعله DNA .

الشاهد أن الأمريكان قطعوا شوطاً بعيداً  في التطور العلمي والتقني لاكتشاف الجريمة. لكن ورغم ذلك كله لديهم آلاف جرائم القتل مقيدة ضد مجهول Cold Cases .

وفي السودان تعمل شرطة السودان في ظروف بالغة التعقيد ، وتعمل وتنقصها إمكانيات كبيرة ، وتعمل دون أن تستمتع بالإمكانات التقنية التي تستمع بها رصيفتها الأمريكية. ولكن ورغم ذلك كله لم نسمع خلال كل العقود القريبة الماضية أن الشرطة السودانية قيّدت جريمة قتل ضد مجهول !!! أليست هذه معجزة ؟؟ كيف لشرطة منقوصة الإمكانيات المادية والتقنية أن تتفوق على شرطة أعظم بلد في العالم.

جاء في الأنباء أخيراً أن شرطتنا العظيمة ألقت القبض على قتلة دكتور أبوبكر جعفر خلال 12 ساعة من ارتكاب الجريمة رغم إنهم اختفوا بمنطقة الفاو !!!

وفي التسعينات أجلت شرطتنا العظيمة الغموض عن تعقيدات الغدر بالصحفي الكبير محمد طه محمد أحمد . وكانت بالفعل جريمة في غاية التعقيد وفق ما نشر عن حيثياتها وقتها.

بهذه المناسبة نفيد  أن إسم الصحفي محمد طه محمد أحمد مقيد  في متحف الصحافة في واشنطن المعروف ب Newseum في قائمة الصحفيين الكبار الذين اغتيلوا حول العالم .

وقبل بضع سنوات ( والبضع ما بين الثلاثة والتسعة ) قتل دبلوماسي أسباني داخل شقته بقاردن  سيتي بالخرطوم . وبعد أن  وصل الخبر إلى وكيل وزارة الخارجية اتصل بالسفير الأسباني مُعَزّياً ، وقال لي أمهلني سبعة أيام كحد أقصى وسنعرف القاتل أوالقتلة ، فرغم شح الإمكانيات المادية والتقنية لشرطة الجنايات لدينا ، مقارنة بما لديكم في الغرب ، إلّا ان شرطتنا ستحل طلاسم هذه الجريمة ، شرطتنا تتمتع بهمة عالية ومهنية نادرة وذكاء وقاد ، للحد الذي جعل بلدنا هذا لم تقيد فيه جريمة قتل ضد مجهول  No Cold case .

تحدث الوكيل بكل الثقة ، وبالفعل لم تخذله الشرطة ، فلم يمض يومان إلّا وتمكنت شرطتنا العظيمةً من إلقاء القبض على المجرم بكمبو بالجزيرة !!!

ولمعت نجوم كثيرة بين ضباط وشرطة الجنيات جراء قدرات ومواهب وطاقات أمّنتنا ، يذكر منها ذلك الألمعي اللواء عابدين الطاهر  . وفي البلاد التي تحفل بكفاءاتها  لا يعني بلوغ سن التقاعد تجاهل كل الخبرات المتراكمة عبر عقود.  عابدين الطاهر وزملاءه من ذوي الخبرة الكبيرة ينبغي الاستفادة من قدراتهم ومعارفهم النادرة اليوم وغداً وبعد غدٍ .شرطتنا قمينةٌ بكل تكريم وتبجيل واحترام. وشرطة كهذه ما ينبغي أن نسمح لشراذم ، تحرضها شراذم سياسية ، لتهتف ضدها  ”  كنداكة جات بوليس جرى ” .
يا للحسرة .

دكتور  ياسر  أبّشر
———————————-
2 مايو 2022

الخرطومالرايةالسودانالشرطة السوادنيةدكتور ياسر أبّشرشرطة السودانعلم الجريمةعيد الفطرمقالات
تعليقات (0)
أضف تعليق