الخرطوم : الراية نيوز
دكتور ياسر أبّشر يكتب :
حِزِب ” مَطْلُوقَة تَرْعَى” ‼️
الذي أعرفه وما عليه العمل في كل البلاد التي بها دولة وسلطة حاكمة، أن أي وفد أو جماعة، شعبية كانت أو حزبية ، تذهب لعمل سياسي في بلد آخر تُبَلّغ حكومتها بطبيعة مهمتها في ذلك البلد، وتفعل ذلك إما بإحاطة جهاز الأمن أو وزارة الخارجية. وحين تصل ذلك البلد تتصل بسفارتها وتبلغها بمجريات مهمتها. فإن لم تفعل ذلك وُضعت تحت المساءلة التي يمكن أن تُفضي لمحاكمة.
وحتى المؤسسات التي تعمل في بلدها لصالح بلد آخر ملزمة بإبلاغ السلطات بطبيعة تعاملها مع ذلك البلد، الذي يتم عادة عبر سفارته، ثم هي ملزمة قانوناً بتسجيل نفسها كمؤسسة لوبي Lobby، وملزمة برفع تقارير دورية بمجريات وتطورات تعاونها مع ذلك البلد. وفي أمريكا تقوم تلك المؤسسات بالتسجيل في وزارة العدل، وإلّا طالها القانون وتُعامل بالقانون كما يعامل الجاسوس تماماً.
في فبراير 1989 سافر وفد من الحزب الشيوعي وعناصر يسارية متماهية ومتعاونة مع حركة قرنق، إلى منتجع أمبو الأثيوبي حيث عقدوا اجتماعاً مع حركة قرنق، من وراء ظهر الحكومة وقتها، فما كان من وزير الداخلية وقتها مبارك الفاضل المهدي إلّا أن اعتقلهم. وكان ذلك إجراءً صحيحاً سليماً.
يقول التاريخ إن الحركة الشعبية لتحرير السودان SPLM، كانت يسارية الهوى منذ يوم أن دخل جون قرنق الغابة في 16 مايو 1983، منطلقاً من قريته كونغر القريبة من بور، ملتحقاً بكاربينو الذي تمرد قبله بمدة قصيرة. واتخذت حركة قرنق منافيستو Manifesto أسوة بالمانيفستو الذي أصدره كارل ماركس وفريدريك انجلز Communist Manifesto. ومن أول عهدها منحها الحزب الشيوعي السوداني مباركته ودعمه وأرسل كوادره تعمل معها في نشاطها الاعلامي، حيث عمل ياسر عرمان في إذاعتها التي كانت تبث من إثيوبيا، وتعينها في نشاطها السياسي واتصالاتها بالدول الغربية والمنظمات، وقاتلت بعض تلك العناصر مع قوات قرنق ضد الجيش السوداني.
الذين عاصروا تلك الفترة يذكرون أن إذاعة ياسر عرمان كانت تُذيع تحركات قواتنا المتجهة للجنوب، بل واسماء قادة الكتائب والألوية، وما كان يدور من اجتماعات في القيادة العامة للجيش.
وقد استفسرت عام 2014 قيادي جنوبي، كان انشق عن حركة قرنق، عن سر ذلك الاختراق، فأفادني أنهم تمكنوا من تحقيقه عبر ضباط شيوعيين كانوا بالجيش، بل إنه قال لي إن ضابطاً برتبة عميد (أعرفه) كان يوافيهم أحياناً بالمواقع والمعسكرات التي ستقصفها طائراتنا قبل وقوع القصف فيحتاطون.
وبُعيد انفصال الجنوب قال قرنق لبعض قادة الإنقاذ عن “الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال” إنها “ناركوك صغير عشان تربوه”. وبالفعل ظل الجنوب مصدر التشوين للحركة الناركوك. وضمت قيادة ذلك الناركوك يوسف كوة وعبد العزيز الحلو وياسر عرمان ودكتور محمد يوسف أحمد المصطفى ودكتور محمد جلال هاشم ومالك عقار وجوزيف تكة وغيرهم. وفي جبل مرة أوكلت حركة قرنق الشيوعي عبد الواحد محمد نور لِيَنُوب عنها. ومعروف للكافة ما فعلت وتفعله تلك العناصر المُسْتَخْلَفَة فيما يسمي “المناطق الثلاث”!!!
وخلال حكم الإنقاذ علم الكيزان أن مَنْ استرخى لَبَبُه ساء أدبه، فحُصِرت تلك العناصر وظلّت “ترعى بيقيدا”.
وبعد (ثورة الندامة) تُرِك لها الحبل على الغارِب، فجاست خلال الديار، وطفقت تتردد على السفارات تبيع وتشتري. وأخذت الوفود تتردد على كاودا وتلتقي بالمتمردين داخل السودان وخارجه دون حسيب أو رقيب. وكان آخرها لقاؤهم بالمتمردين في جوبا واعتقال الحكومة الجنوبية لهم.
ثم بادر ياسر العطا بالوساطة لإطلاق سراحهم. وأرى من الطبيعي أن تبادر السلطات السودانية لإطلاق سراح أي سوداني تعتقله دولة أجنبيةً. لكن الطبيعي هو أن تعتقلهم بمجرد وصولهم للخرطوم للتحقيق معهم لمعرفة ما دَبّرُوا، فهم ليسوا مفوضين للحديث باسم الشعب للتفاوض مع متمردين. ثم إن قادتهم – محمد جلال هاشم – يروجون للزحف على الخرطوم. إضافة إلى أنهم يعادون الحكام ويحرضون عليهم ويصفونهم بالانقلابيين وينادون بإسقاطهم.
وأرجّح أنهم اجتمعوا مع المتمردين في جوبا لتأجيج الحرب والزحف على الخرطوم، ما لم تخضع السلطة لشروطهم وأولها قبول تطبيق العلمانية، فكلاً من حركة عبد الواحد والحلو هما الجناح العسكري للحزب الشيوعي!!!
وحتى بعد وساطة العطا سَمّوا مجلس العطا بالانقلابيين في بيانهم الذي شكروا فيه العطا. والسؤال هو: هل ما زال ياسر العطا عضواً في ذلك المجلس “الانقلابي” الذي ينادون بإسقاطه؟؟، أم أن للعطا (لعبة تلات ورقات) معاهم؟؟ أم أن كلا البرهان والعطا يلعبانها معهم؟؟، لأن من المستبعد أن يتحرك العطا من دون تعليمات!!!
وإذا كان الحزب ذا حُظْوَة لديهما، فَمِمَّ نبعت تلك الحُظْوَة من دون الأحزاب والقوى الأخرى؟؟
أم تُرى أن الحزب يخيفهم بشيء!!!
في كل الأحوال: ما هكذا تُحكم الدول.
وأضيف على ما جرى في جوبا ما كتبه دكتور إبراهيم الصديق علي والذي جاء فيه:
“العجب العجيب
ما أكثر الأعاجيب هذه الأيام
العجب ان يحاور حزب سياسي، حركة مسلحة، وخارجة عن القانون، من وراء مؤسسات الدولة السودانية..
من العجب، أن يجري حزب سياسي لقاءات وتحالفات مع حركة مسلحة، ومن خلال أرض دولة أخرى، ودون تنسيق مع أي طرف في الدولتين، هذا أمر مريب مهما كان المسمى، وأياً كان الشعار..
من العجب ان تصمت السلطات السودانية تجاه هذا الفعل، دون تحريك إجراءات قانونية، ودون ضبط مثل هذه المخططات التي تستهدف سلامة الوطن ووحدة أراضيه..
من العجب، أن يحاور حزب سياسي حركة مسلحة ويتحالف معها، في ذات الوقت الذي ينادي بتفكيك المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية..
من المحير، أن تتم الحوارات في الخفاء إن كان الهدف السلام، فحوارات السلام تتطلب الشفافية والوضوح والفضاءات المفتوحة، فلماذا جرت الاجتماعات (لأيام دون إعلام أو مراقبين أو أجندة واضحة)؟
إن القوانين والمصالح العليا تحدد مساحة حركة الأحزاب واتصالاتها وتمويلها وتحالفاتها، لا يوجد فعل مطلق، والتسامح مع هذه التصرفات سيقود لمهالك بلا سقف”
وهكذا وفي ظل ما وقع من إبطال للدولة Nullification of State غدا ممكناً لكائنٍ من كان أن يفعل ما يشاء، ولأن عناصر الشيوعي تُكِن وداً وحباً للحركة الشعبية/ شمال فستظل ملتصقة بحنان معها. وفي عصر اللا دولة الذي نعيشه يستطيع الحزب الشيوعي أن يفعل ما يحلو له فهو: حزب “مَطْلُوقَة ترعى”!!!
دكتور ياسر أبشر
——————————
19 مايو 2022