الخرطوم : الراية نيوز
محمد طلب يكتب :
البركة المنزوعة
عصر السرعة – عصر العصِر – والعصير – ماكينات صناعة الشاي والقهوة – سريعة – ماكينات تحضير الساندوتشات – سريعة – الالبان جاهزة ومعدة في عبوات –سريعة وسهلة التناول – تشكيلات والوان ومحفزات – (تمكين) – في كل شئ – ولكل شئ – حافلات المدارس- السريعة – تطرق الابوب – وتنتظر طفل لايستطيع حمل حقيبته – بل يعجز عن ربط الحذاء بصورة جيدة – او غير جيدة – بل ربما لايستطيع ان ينتعله لوحده – جيش من البشر تقوده خادمة اجنبية يعجز عن تحضير طفل للمدرسة – بسرعة- دون ازعاج وانزعاج – وربما تهور – يهدد مستقبل – المسكين –نعم مسكين جدا- جاء في زمن منزوع البركة – الان فقط ادركت ان البركة – مادة- حقيقية – وانا اقارن – المساحة الزمنية (الممهولة) التي كانت تمثلها الساعة الزمنية بحسابات (السيكو) و (الجوفيال) و(عقاربها) المتمهلة الممتعة – اوقاتنا المظبوطة علي اذاعة امدرمان – ونشرات اخبارها وبرامجها – قبل ان تمتلئ اسواقنا بالساعات الرقمية – وبالرقميات الاخري – كانت ساعة الصباح مترعة بالاحداث التي تمر دون عجل – همهمات التسبيح – والشكر والحمد – وثرثرة الاباريق – وحركة (الكانون) – كانت (منبهات) اكثر من كافية – لتقطع سلسلة احلام الاطفال الجميلة – ليستيقظوا والابتسامة تكسو اعينهم المغلقة …لا عن نوم لكنه القذي (القضا الواحد دا )- كان نومي ثقيلا ولكن رائحة (القُنانة) كافية لاختراق مركز النوم في الدماغ – فعلها يفوق منبهات (الاهتزاز) المنتشرة هذه الايام – الاطفال يتحلقون حول (كفتيرة الشاي) وهي علي (كانونها) و (ب قانونها) تمر الاكواب وقطع الخبز و (برجس بالسكر) احيانا و(اللقيمات ) احيانا اخري – وربما (كسرة يابسة) – ومازال لدينا مزيد من الوقت يكفي (لمراسيل) الصباح –كبريتة وفحم – ربع رطل زيت فهد – اوقية شاي حب- يسطرها (سيد الدكان ) علي دفتر (الجرورة ) مع نصف رطل سكر فالبيت به رضيع – دفتر الجرورة – الذي يحتملها الراتب – و يزيد – ثم تعود لتحمل (قفة ) صغيرة الي السوق – طماطم – بصل-عجورة وجرجير وما تيسر من خضار- مع ربع كيلو لحمة – هذه مهام طفل في المدرسة الابتدائية قبل ان يرتدي ملابسه ويركض فرحاً ( راجلاً) ليلحق بافواج التلاميذ
الذين سدوا طرقات القرية ولا صوت يعلو هذه الساعة الا صوتهم …يفعلون كل ذلك ويقطعون مئات الامتار قبل يرن جرس (طابور) الصباح ….
وهذا المسكين ما زال لا يستطيع ان يحكم رباط الحذاء اللامع ,,, والحافلة المدرسية تنتظر … والسائق يضغط علي (البوري) بقوة منادياً ومنبهاً بقدومه المشؤوم ..والمشرفة تتضجر عند كل باب وتجذب هذا المسكين بقوة الي قلب الحافلة المدرسية
اضحت ساعات الصباح منزوعة البركة لو ضاعفناها اعشاراً لن نستطيع ان نفعل ماكنا نفعله – بل اضحت سنوات العمر كلها تخلو من البركة ….البركة –حقيقة – ومادة………لكنا نفتقدها
اللهم بارك في اوطاننا و اعمارنا والجيل القادم من أطفالنا.
سلام
محمد طلب