الخرطوم : الراية نيوز
عزمي عبد الرازق يكتب :
جولة في إسطنبول “١”
ليوم وليلة مشيت في شوارع إسطنبول، رأيت البيوت والمقاهي والمساجد العتيقة، فمتى كان العقار قديماً قفز ثمنه وتم حجره في قائمة اليونسكو، ولذلك يعتني الناس هنا بالأشياء القديمة الثمينة، ولك أن تتخيل أن رواية “صحوة العالم التركية” لشنغول بيوباش، سلطت الضوء على موقع “غوبيكلي تبة” الأثري، وساهمت في تصنيفه ضمن قائمة التراث العالمي، رأيت القطار الذي يعمل بالكهرباء يمر تحت نافذة الفندق الذي أقطنه في شارع يوسف باشا، كل خمسة دقائق، ولعل أكثر ما لفت نظري المهارة التي يعمل بها عمال النظافة، إذ يعود جمع القمامة إلى عقود طويلة من الدأب، ولذلك تجدهم أشد الناس حرصاً على النظافة والتخلص من الأوساخ، دون أن تشعر بهم وانت الضيف المعني بالتقاط دبيب النمل، أخذني أورهان باموق كاتبي المفضل في رحلة تاريخية حتى تخوم عصر “جودت بك وأولاده”، إلى “اسمي أحمر” هذه الرواية الجميلة التي تستمد روعتها واسمها من الفن التشكيلي الإسلامي، والذي يعتمد للغرابة على اللون الأحمر، فجأه تغيرت الأجواء في إسطنبول، جلست في مقهى على مقربة من ميدان تقسيم، تعمل فيه فتاة روسية وأخرى أوكرانية معاً، تتنافسان في الجمال والدلال، دون أن يُعكر هذا الجوار تفضيل الزبائن لأيهما، تحدثت إلى عديد من الأتراك، شعرت بخيط رفيع يربطني بهم، منذ التمدد العثماني داخل بلدي تجسرت علاقة قديمة، تم نسفها مع انتصار الثورة المهدية، فبدت الأن هجرة جديدة للسودانيين لشراء البيوت والشقق والعيش في تركيا، الأقرب إلى مِزاجهم ووجدانهم، ولعل كثير من التقاليد والثقافة التركية نمت داخل الشخصية السودانية، لدرجة أن السلطان علي دينار ربط مصيره بالسلطان العثماني في مواجهة الإنجليز والفرنسيين، موالاة الخليفة المسلم على الكفار، واستشهد في معركة برنجية عام 1916 بهذا اللقب الفخيم الذي توارثه الأحفاد كابراً عن كابر، من لدن أولاد زكريا كُساة الكعبة إلى السلطان أحمد دينار قائد الركب المعاصر، وقد سمعت كثير من الكلمات التركية المألوفة بجرسها العربي، عشق، شنطة، جامع، عيب، حركة حركات، ماسورة، تمام، إن شاء الله، دوغري، كوريك، هكذا ينطقها الأتراك، تمر بحي بّيرا فينساب ظلك على الشوارع التي اكتست بأسماء القادة العسكريين والابطال القوميين، تنفجر ضحكة في خانات غالاتا وكورتولوش ذات السقوف الواطئة، وأوكار توفاني الصغيرة، وحارات أخرى سرية لا يظهر منها أي وجه في دليل المسافرين، او على الخرائط السياحية، كما عرفتها أليف شافاك، خلال 10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب، وهى رواية تدور أحداثها حول فكرة كم دقيقة يعيش دماغ الإنسان بعد الموت؟، كان اسمها ليلى، ليلى التكيلا، وهو الاسم الذي لا تحبه، ومع ذلك اشتهرت به بين أصدقائها وزبائنها. بعد قليل في إسطنبول سوف تهطل الأمطار، الأجواء هنا غائمة، كأنها جنة مدهامة، عصير كوكتيل من الخريف والربيع والصيف، وهذا يغري بالتسكع أكثر، في جولات ماتعة ومثيرة، أريد أن أصحبكم معي إلى جسر البوسفور الذي أُجهض فوقه انقلاب يوليو 2016، ومن ثم سوف نولي وجهنا شطر مسجد آيا صوفيا، أقدم المساجد الأيبة الى حضن التراث الإسلامي، حين وضع محمد الفاتح سيفه جانباً ودخل القسطنطينية مكبراً ثلاث مرات.
عزمي عبد الرازق
نواصل